الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4261 ) مسألة قال : ( ومن اكترى إلى مكة ، فلم ير الجمال الراكبين ، والمحامل ، والأغطية ، والأوطئة ، لم يجز الكراء ) أجمع أهل العلم على إجازة كراء الإبل إلى مكة وغيرها ، وقد قال الله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } . ولم يفرق بين المملوكة والمكتراة . وروي عن ابن عباس ، في قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } : أن تحج وتكري . ونحوه عن ابن عمر ، ولأن بالناس حاجة إلى السفر ، وقد فرض الله تعالى عليهم الحج ، وأخبر أنهم يأتون رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . وليس لكل أحد بهيمة يملكها ، ولا يقدر على معاناتها ، والقيام بها ، والشد عليها ، فدعت الحاجة إلى استئجارها ، فجاز ، دفعا للحاجة . إذا ثبت هذا ، فمن شرط صحة العقد معرفة المتعاقدين ما عقدا عليه ; لأنه عقد معاوضة محضة ، فكان من شرطه المعرفة للمعقود عليه ، كالبيع

                                                                                                                                            فأما الجمال فيحتاج إلى معرفة الراكبين ، والآلة التي يركبون فيها ، من محمل أو محارة وغيرها ، وإن كان مقتبا ذكره ، وهل يكون مغطى أو مكشوفا ، فإن كان مغطى احتيج إلى معرفة الغطاء ، ويحتاج إلى معرفة الوطاء الذي يوطأ به المحمل ، والمعاليق التي معه من قربة وسطيحة وسفرة ونحوها ، وذكر سائر ما يحمل معه . وبهذا قال الشافعي ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، إلا أن الشافعي قال : يجوز إطلاق غطاء المحمل ; لأنه لا يختلف اختلافا متباينا

                                                                                                                                            وحكي عنه في المعاليق قول ، أنه يجوز إطلاقها ، وتحمل على العرف . وحكي عن مالك ، أنه يجوز إطلاق الراكبين ; لأن أجسام الناس متقاربة [ ص: 298 ] في الغالب . وقال أبو حنيفة : إذا قال : في المحمل رجلان ، وما يصلحهما من الوطاء والدثر . جاز استحسانا ; لأن ذلك يتقارب في العادة ، فحمل على العادة ، كالمعاليق

                                                                                                                                            وقال القاضي في غطاء المحمل كقول الشافعي . ولنا ، أن هذا يختلف ويتباين كثيرا ، فاشترطت معرفته ، كالطعام الذي يحمل معه . وقولهم : إن أجسام الناس متقاربة . لا يصح ; فإن منهم الكبير والصغير ، والطويل والقصير ، والسمين والهزيل ، والذكر والأنثى ، ويختلفون بذلك ، ويتباينون كثيرا ، ويتفاوتون أيضا في المعاليق ، فمنهم من يكثر الزاد والحوائج ، ومنهم من يقنع باليسير ، ولا عرف له يرجع إليه ، فاشترطت معرفته ، كالمحمل والأوطئة وكذلك غطاء المحمل ، من الناس من يختار الواسع الثقيل الذي يشتد على الحمل في الهواء ، ومنهم من يقنع بالضيق الخفيف ، فتجب معرفته ، كسائر ما ذكرنا

                                                                                                                                            وأما المستأجر ، فيحتاج إلى معرفة الدابة التي يركب عليها ; لأن الغرض يختلف بذلك ، وتحصل بأحد أمرين إما بالرؤية ، فيكتفى بها ; لأنها أعلى طرق العلم ، إلا أن يكون مما يحتاج إلى معرفة صفة المسمى فيه ، كالراهول وغيره ، فإما أن يجربه فيعلم ذلك برؤيته ، وإما أن يصفه ، وإما بالصفة ، فإذا وجدت اكتفي بها ; لأنه يمكن ضبطه بالصفة ، فجاز العقد عليه ، كالبيع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية