الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زوي ]

                                                          زوي : الزي : مصدر زوى الشيء يزويه زيا زويا فانزوى ، نحاه فتنحى . وزواه : قبضه . وزويت الشيء : جمعته وقبضته . وفي الحديث : إن الله تعالى زوى لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ؛ زويت لي الأرض : جمعت ؛ ومنه دعاء السفر : وازو لنا البعيد أي اجمعه واطوه ، وزوى ما بين عينيه فانزوى : جمعه فاجتمع وقبضه قال الأعشى :


                                                          يزيد يغض الطرف عندي كأنما زوى بين عينيه علي المحاجم     فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
                                                          ولا تلقني إلا وأنفك راغم



                                                          وانزوى القوم بعضهم إلى بعض إذا تدانوا وتضاموا . والزاوية : واحدة الزوايا . وفي حديث ابن عمر : كان له أرض زوتها أرض أخرى أي قربت منها فضيقتها ، وقيل : أحاطت بها . وانزوت الجلدة في النار : تقبضت واجتمعت . وفي الحديث : إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة في النار أي ينضم ويتقبض ، وقيل : أراد أهل المسجد وهم الملائكة ؛ ومنه الحديث : أعطاني ريحانتين زوى عني واحدة . وفي حديث الدعاء : وما زويت عني أي صرفته عني وقبضته . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء إذا فسد الناس ، والذي نفس أبي القاسم بيده ليزوأن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها قال شمر : لم أسمع زوأت بالهمز ، والصواب ليزوين أي ليجمعن وليضمن ، من زويت الشيء إذا جمعته ، وكذلك ليأرزن أي لينضمن . قال أبو الهيثم : كل شيء تام فهو مربع كالبيت والأرض والدار والبساط له حدود أربع ، فإذا نقصت منها ناحية فهو أزور مزوى ، قال : وأما الزوء بالهمز ، فإن الأصمعي يقول : زوء المنية ما يحدث من هلاك المنية ، والزوء : الهلاك . وقال ثعلب : زو المنية أحداثها ؛ هكذا عبر بالواحد عن الجمع ؛ قال :


                                                          من ابن مامة كعب ثم عي به     زوج المنية إلا حرة وقدى



                                                          وهذا البيت أورده الأزهري و الجوهري مستشهدا به على قول ابن الأعرابي : الزو القدر ، يقال : قضي علينا وقدر وحم وزي و زي ؛ وصورة إيراده :

                                                          ولا ابن مامة كعب حين عي به

                                                          قال ابن بري : والصواب ما ذكرناه أولا . [ ص: 84 ] من ابن مامة كعب ثم عي به

                                                          قال : والبيت لمامة الإيادي أبي كعب ، كذا ذكره السيرافي ، وقبله :


                                                          ما كان من سوقة أسقى على ظمإ     خمرا بماء ، إذا ناجودها بردا

                                                          وقوله : وقدى مثل جمزى أي تتوقد ؛ وأنشد ابن بري أيضا للأسود بن يعفر :


                                                          فيا لهف نفسي على مالك     وهل ينفع اللهف زو القدر ؟



                                                          وأنشد أيضا لمتمم بن نويرة :


                                                          أفبعد من ولدت بسيبة أشتكي     زو المنية ، أو أرى أتوجع ؟



                                                          ويروى : زو الحوادث ، ورواه ابن الأعرابي : بغير همز ، وهمزه الأصمعي . وزواهم الدهر أي ذهب بهم ؛ قال بشر :


                                                          فقد كانت لنا ، ولهن حتى     زوتها الحرب ، أيام قصار



                                                          قال : زوتها ردتها . وقد زووهم أي ردوهم . وزوى الله عني الشر أي صرفه . وزويت الشيء عن فلان أي نحيته . وفي حديث أبي هريرة : أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أراد سفرا أمال براحلته ومد إصبعه وقال : اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا بنصح واقلبنا بذمة ، اللهم زو لنا الأرض وهون علينا السفر ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب . ابن الأعرابي : زوى إذا عدل كقولك : زوى عنه كذا أي عدله وصرفه عنه ، وزوى إذا قبض ، وزوى جمع ومصدره كله الزي . وقال : الزوي العدول من شيء إلى شيء ، والزي في حال التنحية وفي حال القبض . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : للنبي ، صلى الله عليه وسلم : عجبت لما زوى الله عنك من الدنيا ؛ قال الحربي : معناه لما نحي عنك وبوعد منك ، وفي حديث أم معبد :

                                                          فيا لقصي ما زوى الله عنكم ؟

                                                          المعنى : أي شيء نحى الله عنكم من الخير والفضل ، وكذلك قوله ، صلى الله عليه وسلم : أعطاني ربي اثنتين وزوى عني واحدة أي نحاها ولم يجبني إليها . وزوى عنه سره : طواه . وزاوية البيت : ركنه ، والجمع الزوايا ، وتزوى صار فيها . وتقول : زوى فلان المال عن وارثه زيا ، والزو : القرينان من السفن وغيرها . وجاء زوا إذا جاء هو وصاحبه ، والعرب تقول لكل مفرد تو ولكل زوج زو . وأزوى الرجل إذا جاء ومعه آخر . وزوزيته وزوزيت به إذا طردته . الليث : الزوزاة شبه الطرد والشل ، تقول : زوزى به ، أبو عبيد : الزوزاة مصدر قولك زوزى الرجل يزوزي زوزاة ، وهو أن ينصب ظهره ويسرع ويقارب الخطو ؛ قال ابن بري : ومنه قول رؤبة :


                                                          ناج وقد زوزى بنا زيزاءه

                                                          وقال آخر :


                                                          مزوزيا لما رآها زوزت

                                                          يعني نعامة ورألها ، يقول : إذا رآها أسرعت أسرع معها . وزوزى : نصب ظهره وقارب خطوه في سرعة . واستوزى كزوزى ؛ قال ابن مقبل :


                                                          ذعرت به العير مستوزيا     شكير جحافله قد كتن

                                                          وقول ابن كثوة أنشده ابن جني :


                                                          ولى نعام بني صفوان زوزأة     لما رأى أسدا في الغاب قد وثبا

                                                          إنما أراد زوزاة ، فأبدل الهمزة من الألف اضطرارا . ورجل زواز وزوازية وزونزى : قصير غليظ ؛ وفي التهذيب : غليظ إلى القصر ما هو ؛ ؛ قال الراجز :


                                                          وبعلها زونك زونزى



                                                          وقال آخر :


                                                          إذا الزونزى منهم ذو البردين     رماه سوار الكرى في العينين



                                                          والزونزى : الذي يرى لنفسه ما لا يراه غيره له ، وقال : رجل زونزى ذو أبهة وكبر ، وحكى ابن جني : زوزى ، وقال : هو فعلل من مضاعف الواو . أبو تراب : زورت الكلام وزويته أي هيأته في نفسي . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : كنت زويت في نفسي كلاما أي جمعت والرواية زورت ، بالراء ، وقد تقدم ذكره في موضعه . والزاوية موضع بالبصرة .

                                                          والزاي : حرف هجاء . قال ابن جني : ينبغي أن تكون منقلبة عن واو ولامه ياء ، فهو من لفظ زويت إلا أن عينه اعتلت وسلمت لامه ، ولحق بباب غاي وطاي وراي وثاي وآي في الشذوذ ، لاعتلال عينه وصحة لامه ، واعتلالها أنها متى أعربت فقيل : هذه زاي حسنة ، وكتبت زايا صغيرة أو نحو ذلك فإنها بعد ذلك ملحقة في الإعلال بباب راي وغاي ، لأنه ما دام حرف هجاء فألفه غير منقلبة . قال : ولهذا كان عندي قولهم في التهجي : زاي أحسن من غاي وطاي لأنه ما دام حرفا فهو غير متصرف ، وألفه غير مقضي عليها بانقلاب ، وغاي وبابه يتصرف بالانقلاب ، وإعلال العين وتصحيح اللام جار عليه معروف فيه ، ولو اشتققت منها فعلت لقلت : زويت ؛ قال : وهذا مذهب أبي علي . ومن أمالها قال : زييت زايا ، فإن كسرتها على أفعال قلت : أزواء ، وعلى قول غيره : أزياء ، إن صحت إمالتها ، وإن كسرتها على أفعل قلت : أزو وأزي على المذهبين . وقال الليث : الزاي والزاء لغتان ، وألفها ترجع في التصريف إلى الياء ، وتصغيرها زيية . ويقال : زويت زايا في لغة من يقول : الزاي ، ومن قال : الزاء ، قال : زييت كما يقال : يييت ياء ، ونظير زويت كوفت كاف . الجوهري : الزاي حرف يمد ويقصر ولا يكتب إلا بياء بعد الألف . قال ابن بري : قوله : يقصر أي يقال : زي مثل : كي ، ويمد زاي بالألف ، وتقول : هي زاي فزيها . وقال زيد بن ثابت في قوله عز وجل : كيف ننشزها [ البقرة : 259 ] قال : هي زاي فزيها أي : اقرأها بالزاي . [ ص: 85 ] والزي : اللباس والهيئة ، وأصله زوي ، تقول منه : زييته ، والقياس زويته . ويقال : الزي الشارة والهيئة ؛ قال الراجز :


                                                          ما أنا بالبصرة بالبصري     ولا شبيه زيهم بزيي



                                                          وقرئ قوله تعالى : ( هم أحسن أثاثا وزيا ) بالزاي والراء . قال الفراء : من قرأ : ( وزيا ) فالزي : الهيئة والمنظر ، والعرب تقول : قد زييت الجارية أي : زينتها وهيأتها . وقال الليث : يقال : تزيا فلان بزي حسن ، وقد زييته تزية . قال ابن بزرج : قالوا من الزي : ازدييت ، افتعلت ، وتفعلت تزييت ، وفعلت زييت مثل رضيت ، قال : والعرب لا تقول فيها : فعلت إلا شاذة ؛ قال حكيم الديلي :


                                                          فلما رآني زوى وجهه     وقرب من حاجب حاجبا
                                                          فلا برح الزي من وجهه     ولا زال رائده جادبا



                                                          الأموي : قدر زوازية وهي التي تضم الجزور . الأصمعي : يقال : قدر زوزية وزوازية مثال : علبطة وعلابطة للعظيمة التي تضم الجزور . قال ابن بري : الذي ذكره أبو عبيد والقزاز زؤزئة ، بهمزتين . الجوهري : وزو اسم جبل بالعراق . قال ابن بري : ليس بالعراق جبل يسمى : زوا ، وإنما هو سمع في شعر البحتري قوله يمدح المعتز بالله حين جمع مركبين وشحنهما بالحطب وأوقد فيهما نارا ، ويسمى ذلك بالعراق زوا في عيد الفرس يسمى الصدق فقال : ولا جبلا كالزو .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية