الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سأل ]

                                                          سأل : سأل يسأل سؤالا وسآلة ومسألة وتسآلا وسألة ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          أساءلت رسم الدار ، أم لم تسائل عن السكن ، أم عن عهده بالأوائل ؟



                                                          وسألت أسأل وسلت أسل ، والرجلان يتساءلان ويتسايلان ، وجمع المسألة مسائل بالهمز ، فإذا حذفوا الهمزة قالوا مسلة . وتساءلوا : سأل بعضهم بعضا . وفي التنزيل العزيز : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ؛ وقرئ : تساءلون به ، فمن قرأ تساءلون فالأصل تتساءلون قلبت التاء سينا لقرب هذه من هذه ثم أدغمت فيها ، قال : ومن قرأ تساءلون فأصله أيضا تتساءلون حذفت التاء الثانية كراهية للإعادة ، ومعناه تطلبون حقوقكم به ، وقوله تعالى : كان على ربك وعدا مسئولا ؛ أراد قول الملائكة : ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم الآية ؛ وقال ثعلب : معناه وعدا مسؤولا إنجازه يقولون ربنا قد وعدتنا فأنجز لنا وعدك . وقوله عز وجل : وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ؛ قال الزجاج : إنما قال : سواء للسائلين لأن كلا يطلب القوت ويسأله ، وقد يجوز أن يكون للسائلين لمن سأل في كم خلقت السماوات والأرض ، فقيل : خلقت الأرض في أربعة أيام سواء لا زيادة ولا نقصان ، جوابا لمن سأل . وقوله عز وجل : وسوف تسألون ؛ معناه سوف تسألون عن شكر ما خلقه الله لكم من الشرف والذكر ، وهما يتساءلان . قال : فأما ما حكاه أبو علي عن أبي زيد من قولهم اللهم أعطنا سألاتنا ، فإنما ذلك على وضع المصدر موضع الاسم ، ولذلك جمع ، وقد يخفف على البدل فيقولون سال يسال وهما يتساولان وقرأ نافع وابن عمر سال ، غير مهموز ، سائل ، وقيل : معناه بغير همز : سال واد بعذاب واقع ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون : سأل سائل ، مهموز على معنى دعا داع . الجوهري : : سأل سائل بعذاب واقع ؛ أي عن عذاب واقع . قال الأخفش : يقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان ، وقد يخفف فيقال : سال يسال ؛ قال الشاعر :


                                                          ومرهق ، سال إمتاعا بأصدته     لم يستعن وحوامي الموت تغشاه



                                                          والأمر منه سل بحركة الحرف الثاني من المستقبل ، ومن الأول اسأل ؛ قال ابن سيده : والعرب قاطبة تحذف الهمز منه في الأمر ، فإذا وصلوا بالفاء أو الواو همزوا كقولك فاسأل واسأل ؛ قال : وحكى الفارسي أن أبا عثمان سمع من يقول : إسل ، يريد اسأل ، فيحذف الهمزة ويلقي حركتها على ما قبلها ، ثم يأتي بألف الوصل لأن هذه السين وإن كانت متحركة فهي في نية السكون ، وهذا كقول بعض العرب . الاحمر : فيخفف الهمزة بأن يحذفها ويلقي حركتها على اللام قبلها . فأما قول بلال بن جرير :


                                                          إذا ضفتهم أو سايلتهم     وجدت بهم علة حاضره



                                                          فإن أحمد بن يحيى لم يعرفه ، فلما فهم قال : هذا جمع بين اللغتين ، فالهمزة في هذا هي الأصل وهي التي في قولك : سألت زيدا ، والياء هي العوض والفرع وهي التي في قولك سايلت زيدا ، فقد تراه كيف جمع بينهما في قوله : سايلتهم ، قال : فوزنه على هذا فعايلتهم ، قال : وهذا مثال لا يعرف له في اللغة نظير . وقوله عز وجل : وقفوهم إنهم مسئولون ؛ قال الزجاج : سؤالهم سؤال توبيخ وتقرير لإيجاب الحجة عليهم لأن الله - جل ثناؤه - عالم بأعمالهم . وقوله : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ؛ أي لا يسأل ليعلم ذلك منه لأن الله قد علم أعمالهم والسول : ما سألته وفي التنزيل العزيز : قال قد أوتيت سؤلك ياموسى ؛ أي أعطيت أمنيتك التي سألتها ، قرئ بالهمز وغير الهمز . وأسألته سولته ومسألته أي قضيت حاجته والسولة كالسول ، عن ابن جني ، وأصل السول الهمز عند العرب ، استثقلوا ضغطة الهمزة فيه فتكلموا به على تخفيف الهمزة ، وسنذكره في سول ، وسألته الشيء وسألته عن الشيء سؤالا ومسألة ؛ قال ابن بري : سألته الشيء بمعنى استعطيته إياه ، قال الله تعالى : ولا يسألكم أموالكم ؛ سألته عن الشيء : استخبرته ، قال : ومن لم يهمز جعله مثل خاف ، يقول : سلته أساله فهو مسول مثل خفته أخافه فهو مخوف ، قال : وأصله الواو بدليل قولهم في هذه اللغة هما يتساولان . وفي الحديث : أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته ، قال ابن الأثير : السؤال في كتاب الله والحديث نوعان : أحدهما ما كان على وجه التبيين والتعلم مما تمس الحاجة إليه فهو مباح أو مندوب أو مأمور به ، والآخر ما كان على طريق التكلف والتعنت فهو مكروه ومنهي عنه ، فكل ما كان من هذا الوجه ووقع السكوت عن جوابه فإنما هو ردع [ ص: 98 ] وزجر للسائل ، وإن وقع الجواب عنه فهو عقوبة وتغليظ . وفي الحديث : كره المسائل وعابها ؛ أراد المسائل الدقيقة التي لا يحتاج إليها . وفي حديث الملاعنة : لما سأله عاصم عن أمر من يجد مع أهله رجلا فأظهر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، الكراهة في ذلك إيثارا لستر العورة وكراهة لهتك الحرمة . وفي الحديث : أنه نهى عن كثرة السؤال ، قيل : هو من هذا ، وقيل : هو سؤال الناس أموالهم من غير حاجة ، ورجل سؤلة : كثير السؤال . والفقير يسمى سائلا ، وجمع السائل الفقير سؤال ، وفي الحديث : للسائل حق وإن جاء على فرس . السائل : الطالب معناه الأمر بحسن الظن بالسائل إذا تعرض لك ، وألا تجيبه بالتكذيب والرد مع إمكان الصدق أي لا تخيب السائل وإن رابك منظره وجاء راكبا على فرس ، فإنه قد يكون له فرس ووراءه عائلة أو دين يجوز معه أخذ الصدقة ، أو يكون من الغزاة أو من الغارمين وله في الصدقة سهم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية