الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سدد ]

                                                          سدد : السد : إغلاق الخلل وردم الثلم . سده يسده سدا فانسد واستد وسدده : أصلحه وأوثقه ، والاسم السد . وحكى الزجاج : ما كان مسدودا خلقة ، فهو سد وما كان من عمل الناس ، فهو سد ، وعلى ذلك وجهت قراءة من قرأ بين السدين والسدين . التهذيب : السد مصدر قولك سددت الشيء سدا . والسد والسد : الجبل والحاجز . وقرئ قوله تعالى : حتى إذا بلغ بين السدين ; بالفتح والضم . وروي عن أبي عبيدة أنه قال : بين السدين ، مضموم ، إذا جعلوه مخلوقا من فعل الله ، وإن كان من فعل الآدميين ، فهو سد ، بالفتح ، ونحو ذلك قال الأخفش . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو : بين السدين ; وبينهم سدا ، بفتح السين . وقرأ في يس : من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ; بضم السين ، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب ، بضم السين ، في الأربعة المواضع ، وقرأ حمزة والكسائي بين السدين ، بضم السين . غيره : ضم السين وفتحها ، سواء السد والسد ; وكذلك قوله : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ; بفتح السين وضمها . والسد ، بالفتح والضم : الردم والجبل ; منه سد الروحاء وسد الصهباء وهما موضعان بين مكة و المدينة . وقوله عز وجل : وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ; قال الزجاج : هؤلاء جماعة من الكفار أرادوا بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، سوءا فحال الله بينهم وبين ذلك ، وسد عليهم الطريق الذي سلكوه فجعلوا بمنزلة من غلت يده سد طريقه من بين يديه ومن خلفه وجعل على بصره غشاوة ; وقيل : في معناه قول آخر : إن الله وصف ضلال الكفار فقال : سددنا عليهم طريق الهدى كما قال : ختم الله على قلوبهم . والسداد : ما سد به ، والجمع أسدة . وقالوا : سداد من عوز سداد من عيش أي ما تسد به الحاجة ، وهو على المثل . وفي حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في السؤال أنه قال : لا تحل المسألة إلا لثلاثة ؛ فذكر منهم رجلا أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما أي ما يكفي حاجته ; قال أبو عبيدة : قوله سدادا من عيش أي قواما ، هو بكسر السين ، وكل شيء سددت به خللا ؛ فهو سداد ، بالكسر ، ولهذا سمي سداد القارورة ، بالكسر ، وهو صمامها لأنه يسد رأسها ; ومنها سداد الثغر ، بالكسر ، إذا سد بالخيل والرجال ; وأنشد العرجي :


                                                          أضاعوني ، وأي فتى أضاعوا ! [ ص: 150 ] ليوم كريهة ، وسداد ثغر



                                                          بالكسر لا غير وهو سده بالخيل والرجال . الجوهري : وأما قولهم فيه سداد من عوز وأصبت به سدادا من عيش أي ما تسد به الخلة ، فيكسر ويفتح ، والكسر أفصح . وقال : وأما السداد ، بالفتح ؛ فإنما معناه الإصابة في " المنطق أن يكون الرجل مسددا . ويقال : إنه لذو سداد في منطقه وتدبيره ، وكذلك في الرمي . ويقال : سد السهم يسد إذا استقام . وسددته تسديدا . واستد الشيء إذا استقام ; وقال :


                                                          أعلمه الرماية كل يوم     فلما استد ساعده رماني



                                                          قال الأصمعي : اشتد ، بالشين المعجمة ، ليس بشيء ; وقال ابن بري : هذا البيت ينسب إلى معن بن أوس ؛ قاله في ابن أخت له ، وقال ابن دريد : هو لمالك بن فهم الأزدي ، وكان اسم ابنه سليمة ، رماه بسهم فقتله فقال البيت ; قال ابن بري : ورأيته في شعر عقيل بن علفة يقوله في ابنه عملس حين رماه بسهم ، وبعده :


                                                          فلا ظفرت يمينك حين ترمي     وشلت منك حاملة البنان !



                                                          وفي الحديث : كان له قوس تسمى السداد سميت به تفاؤلا بإصابة ما رمى عنها . والسد : الردم لأنه يسد به ، والسد والسد : كل بناء سد به موضع ، وقد قرئ : تجعل بيننا وبينهم سدا سدا ، والجمع أسدة وسدود ؛ فأما سدود فعلى الغالب وأما أسدة فشاذ ; قال ابن سيده : وعندي أنه جمع سداد ; وقوله :


                                                          ضربت علي الأرض بالأسداد



                                                          يقول : سدت علي الطريق أي عميت علي مذاهبي ، وواحد الأسداد سد . والسد : ذهاب البصر ، وهو منه . ابن الأعرابي : السدود العيون المفتوحة ولا تبصر بصرا قويا ، يقال منه : عين سادة . وقال أبو زيد : عين سادة وقائمة إذا ابيضت لا يبصر بها صاحبها ولم تنفقئ بعد . أبو زيد : السد من السحاب النشء الأسود من أي أقطار السماء نشأ . والسد واحد السدود ، وهو السحائب السود . ابن سيده : والسد السحاب المرتفع الساد الأفق ، والجمع سدود ; قال :


                                                          قعدت له وشيعني رجال     وقد كثر المخايل والسدود



                                                          وقد سد عليهم وأسد . والسد : القطعة من الجراد تسد الأفق ; قال الراجز :


                                                          سيل الجراد السد يرتاد الخضر



                                                          فإما أن يكون بدلا من الجراد فيكون اسما وإما أن يكون جمع سدود ، وهو الذي يسد الأفق فيكون صفة . ويقال : جاءنا سد من جراد . وجاءنا جراد سد إذا سد الأفق من كثرته . وأرض بها سددة ، والواحدة سدة : وهي أدوية فيها حجارة وصخور يبقى فيها الماء زمانا ; وفي الصحاح : الواحد سد مثل جحر وجحرة . والسد والسد الجبل ، وقيل : ما قابلك فسد ما وراءه فهو سد وسد . ومنه قولهم في المعزى : سد يرى من ورائه الفقر ، وسد أيضا ، أي أن المعنى ليس إلا منظرها وليس له كبير منفعة . ابن الأعرابي : قال : رماه في سد ناقته أي في شخصها . قال : والسد والدريئة والدريعة الناقة التي يستتر بها الصائد ويختل ليرمي الصيد ; وأنشد لأوس :


                                                          فما جبنوا أنا نسد عليهم     ولكن لقوا نارا تحس وتسفع



                                                          قال الأزهري : قرأت بخط شمر في كتابه : يقال سد عليك الرجل يسد سدا إذا أتى السداد ، وما كان هذا الشيء سديدا ولقد سد يسد سدادا وسدودا ; وأنشد بيت أوس وفسره فقال : لم يجبنوا من الإنصاف في القتال ولكن حشرنا عليهم فلقونا ونحن كالنار التي لا تبقي شيئا ; قال الأزهري : وهذا خلاف ما قال ابن الأعرابي . والسد : سلة من قضبان ، والجمع سداد وسدد . الليث : السدود السلال تتخذ من قضبان لها أطباق ، والواحدة سدة ; وقال غيره : السلة يقال لها السدة والطبل . والسدة أمام باب الدار ، وقيل : هي السقيفة . التهذيب : والسدة باب الدار والبيت ; يقال : رأيته قاعدا بسدة بابه وبسدة داره . قال أبو سعيد : السدة في كلام العرب الفناء ، يقال لبيت الشعر وما أشبهه ، والذين تكلموا بالسدة لم يكونوا أصحاب أبنية ولا مدر ، ومن جعل السدة كالصفة أو كالسقيفة فإنما فسره على مذهب أهل الحضر . وقال أبو عمرو : السدة كالصفة تكون بين يدي البيت ، والظلة تكون بباب الدار ; قال أبو عبيد : ومنه حديث أبي الدرداء أنه أتى باب معاوية فلم يأذن له ، فقال : من يغش سدد السلطان يقم ويقعد . وفي الحديث أيضا : الشعث الرءوس الذين لا تفتح لهم السدد . وسدة المسجد الأعظم : ما حوله من الرواق ، وسمي إسماعيل السدي بذلك لأنه كان تاجرا يبيع الخمر والمقانع على باب مسجد الكوفة ، وفي الصحاح : في سدة مسجد الكوفة . قال أبو عبيد : وبعضهم يجعل السدة الباب نفسه . وقال الليث : السدي رجل منسوب إلى قبيلة من اليمن ; قال الأزهري : إن أراد إسماعيل السدي فقد غلط ، لا نعرف في قبائل اليمن سدا ولا سدة . وفي حديث المغيرة بن شعبة : أنه كان يصلي في سدة المسجد الجامع يوم الجمعة مع الإمام ، وفي رواية : كان لا يصلي ، وسدة الجامع : يعني الظلال التي حوله . وفي الحديث أنه قيل : له هذا علي و فاطمة قائمين بالسدة ; السدة : كالظلة على الباب لتقي الباب من المطر ، وقيل : هي الباب نفسه ، وقيل : هي الساحة بين يديه ; ومنه حديث واردي الحوض : هم الذين لا تفتح لهم السدد ولا ينكحون المنعمات أي لا تفتح لهم الأبواب . وفي حديث أم سلمة : أنها قالت لعائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة : إنك سدة بين رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وبين أمته أي باب فمتى أصيب ذلك الباب بشيء فقد دخل على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في حريمه وحوزته واستبيح ما حماه ، فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الذي لا يجب عليك فتحوجي الناس إلى أن يفعلوا مثلك . والسدة جريد يشد بعضه إلى بعض ينام عليه . والسدة والسداد ، مثل العطاس والصداع : داء يسد الأنف يأخذ بالكظم ويمنع نسيم الريح . والسد : العيب ، والجمع أسدة ، نادر على غير [ ص: 151 ] قياس وقياسه الغالب عليه أسد أو سدود ، وفي التهذيب : القياس أن يجمع سد أسدا أو سدودا . الفراء : الودس والسد ، بالفتح ، العيب مثل العمى والصمم والبكم وكذلك الأيه والأبه ، أبو سعيد : يقال ما بفلان سدادة يسد فاه عن الكلام أي ما به عيب ، ومنه قولهم : لا تجعلن بجنبك الأسدة أي لا تضيقن صدرك فتسكت عن الجواب كمن به صمم وبكم ; قال الكميت :


                                                          وما بجنبي من صفح وعائدة     عند الأسدة إن العي كالعضب



                                                          يقول : ليس بي عي ولا بكم عن جواب الكاشح ، ولكني أصفح عنه لأن العي عن الجواب كالعضب ، وهو قطع يد أو ذهاب عضو . والعائدة : العطف . وفي حديث الشعبي : ما سددت على خصم قط أي ما قطعت عليه فأسد كلامه . وصببت في القربة ماء فاستدت به عيون الخرز وانسدت بمعنى واحد . والسدد : القصد في القول والوفق والإصابة ، وقد تسدد له واستد . والسديد والسداد : الصواب من القول . يقال : إنه ليسد في القول وهو أن يصيب السداد يعني القصد . وسد قوله يسد ، بالكسر ، إذا صار سديدا . وإنه ليسد في القول فهو مسد إذا كان يصيب السداد أي القصد . والسدد : مقصور ، من السداد ، يقال : قل قولا سددا وسدادا وسديدا أي صوابا ، قال الأعشى :


                                                          ماذا عليها ؟ وماذا كان ينقصها     يوم الترحل ، لو قالت لنا سددا ؟



                                                          وقد قال : سدادا من القول . والتسديد : التوفيق للسداد ، وهو الصواب والقصد من القول والعمل . ورجل سديد وأسد : من السداد وقصد الطريق ، وسدده الله : وفقه وأمر سديد وأسد أي قاصد . ابن الأعرابي : يقال للناقة الهرمة سادة وسلمة وسدرة وسدمة . والسداد : الشيء من اللبن ييبس في إحليل الناقة . وفي حديث أبي بكر ، رضي الله عنه : أنه سأل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن الإزار فقال : سدد وقارب ; قال شمر : سدد من السداد وهو الموفق الذي لا يعاب ، أي اعمل به شيئا لا تعاب على فعله ؛ فلا تفرط في إرساله ولا تشميره ، جعله الهروي من حديث أبي بكر ، و الزمخشري من حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وأن أبا بكر ، رضي الله عنه : سأله والوفق : المقدار . اللهم سددنا للخير أي وفقنا له ; قال : وقوله : وقارب ، القراب في الإبل أن يقاربها حتى لا تتبدد . قال الأزهري : معنى قوله قارب أي لا ترخ الإزار فتفرط في إسباله ، ولا تقلصه فتفرط في تشميره ولكن بين ذلك . قال شمر : ويقال سدد صاحبك أي علمه واهده ، سدد مالك أي أحسن العمل به . والتسديد للإبل : أن تيسرها لكل مكان مرعى وكل مكان ليان وكل مكان رقاق . ورجل مسدد : موفق يعمل بالسداد والقصد . والمسدد : المقوم . وسدد رمحه : وهو خلاف قولك عرضه . وسهم مسدد : قويم . ويقال : أسد يا رجل وقد أسددت ما شئت أي طلبت السداد والقصد ، أصبته أو لم تصبه ; قال الأسود بن يعفر :


                                                          أسدي يا مني لحميري     يطوف حولنا ، وله زئير



                                                          يقول : اقصدي له يا منية حتى يموت . والسداد ، بالفتح : الاستقامة والصواب ، وفي الحديث : قاربوا وسددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة ، وهو القصد في الأمر والعدل فيه ; ومنه الحديث : قال لعلي ، كرم الله وجهه : سل الله السداد ، واذكر بالسداد تسديدك السهم أي إصابة القصد به . وفي صفة متعلم القرآن : يغفر لأبويه إذا كانا مسددين أي لازمي الطريقة المستقيمة ; ويروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول . وفي الحديث : ما من مؤمن يؤمن بالله ثم يسدد أي يقتصد فلا يغلو ولا يسرف . قال أبو عدنان : قال لي جابر البذخ الذي إذا نازع قوما سدد عليهم كل شيء قالوه . قلت : وكيف يسدد عليهم ؟ قال : ينقض عليهم كل شيء قالوه . وروى الشعبي : أنه قال : ما سددت على خصم قط ; قال شمر : زعم العتريفي أن معناه ما قطعت على خصم قط . والسد : الظل ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          قعدت له في سد نقض معود     لذلك في صحراء جذم درينها



                                                          أي جعلته سترة لي من أن يراني . وقوله : جذم درينها أي قديم لأن الجذم الأصل ولا أقدم من الأصل ، وجعله صفة إذ كان في معنى الصفة . والدرين من النبات : الذي قد أتى عليه عام . والمسد : موضع بمكة عند بستان ابن عامر وذلك البستان مأسدة ; وقيل : هو موضع بقرب مكة ، شرفها الله تعالى ; قال أبو ذؤيب :


                                                          ألفيت أغلب من أسد المسد حدي     د الناب ، أخذته عقر فتطريح



                                                          قال الأصمعي : سألت ابن أبي طرفة عن المسد فقال : هو بستان ابن معمر الذي يقول له الناس بستان ابن عامر . وسد : قرية باليمن . والسد ، بالضم : ماء سماء عند جبل لغطفان أمر سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بسده .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية