الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 134 ] حكم الصحيحين ، والتعليق


40 . واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له ، وقيل ظنا ولدى      41 . محققيهم قد عزاه ( النووي )
وفي الصحيح بعض شيء قد روي      42 . مضعفا ولهما بلا سند
أشيا فإن يجزم فصحح ، أو ورد      43 . ممرضا فلا ، ولكن يشعر
بصحة الأصل له كـ (يذكر)

التالي السابق


أي : ما أسنده البخاري ومسلم ، يريد روياه بإسنادهما المتصل ، فهو مقطوع بصحته ، كذا قال ابن الصلاح ، قال : "والعلم اليقيني النظري واقع به ، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول; لأنه يجب عليهم العمل بالظن ، والظن قد يخطئ قال : وقد كنت أميل إلى هذا ، وأحسبه [ ص: 135 ] قويا ، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح; لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ ، والأمة بإجماعها معصومة من الخطأ" . . . إلى آخر كلامه . وقد سبقه إلى نحو ذلك محمد بن طاهر المقدسي ، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف . قال النووي : "وخالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون ، فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر" .

وقوله : ( ظنا ) منصوب بفعل محذوف ، أي : يفيد ظنا . وقوله : ( بعض شيء ) ، إشارة إلى تقليل ما ضعف من أحاديث الصحيحين .

ولما ذكر ابن الصلاح : أن ما أسنداه مقطوع بصحته . قال : سوى أحرف يسيرة ، تكلم عليها بعض أهل النقد ، كالدارقطني وغيره ، وهي معروفة عند أهل الشأن . انتهى . وروينا عن محمد بن طاهر المقدسي ، ومن خطه نقلت قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي ببغداد يقول : قال لنا أبو محمد بن حزم : وما وجدنا للبخاري ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين . لكل واحد منهما حديث ، تم عليه في تخريجه الوهم مع إتقانهما وحفظهما وصحة معرفتهما .

[ ص: 136 ] فذكر من عند البخاري حديث شريك ، عن أنس في الإسراء ، أنه قبل أن يوحى إليه ، وفيه شق صدره . قال ابن حزم : والآفة من شريك . والحديث الثاني عند مسلم ، حديث عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل ، عن ابن عباس ، قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ، ولا يقاعدونه ، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث أعطينهن . قال : نعم . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ، أزوجكها . قال : نعم . . . الحديث . قال ابن حزم : هذا حديث موضوع لا شك في وضعه ، والآفة فيه من عكرمة بن عمار . وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير هذين .

[ ص: 137 ] وقد أفردت كتابا لما ضعف من أحاديث الصحيحين مع الجواب عنها . فمن أراد الزيادة في ذلك فليقف عليه ، ففيه فوائد مهمات .

وقوله : ( ولهما بلا سند أشيا ) . أي : وللبخاري ومسلم في الصحيح مواضع لم يصلاها بإسنادهما ، بل قطعا أول أسانيدهما مما يليهما . وذكر ابن الصلاح أن ذلك وقع في الصحيحين . قال : "وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري ، وهو في كتاب مسلم قليل جدا" . قلت : في كتاب مسلم من ذلك موضع واحد في التيمم . وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة . أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل ، . . . الحديث . قال فيه مسلم : وروى الليث بن سعد . ولم يوصل مسلم إسناده إلى الليث . وقد أسنده البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث . ولا أعلم في كتاب مسلم بعد مقدمة الكتاب حديثا لم يذكره إلا تعليقا غير هذا الحديث . وفيه مواضع أخر يسيرة رواها بإسناده المتصل ، ثم قال : ورواه فلان ، وهذا ليس من باب التعليق ، إنما أراد ذكر من تابع رواية الذي أسنده من طريقه عليه ، أو أراد بيان اختلاف في السند ، كما يفعل أهل الحديث . ويدل على أنه ليس مقصوده بهذا ادخاله في كتابه; أنه يقع في بعض [ ص: 138 ] أسانيد ذلك من ليس هو من شرط مسلم ، كعبد الرحمن بن خالد بن مسافر . وقد بينت بقية المواضع في الشرح الكبير .

وقوله : ( فإن يجزم فصحح ) ، أي : ان أتى به بصيغة الجزم ، كقوله : قال فلان ، أو روى فلان أو نحو ذلك; فاحكم بصحته عمن علقه عنه ، لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه . ثم الحكم بصحة الحديث مطلقا يتوقف على ثقة رجاله ، واتصاله من موضع التعليق . فإن كان فيمن أبرزه من لا يحتج به ، فليس فيه إلا الحكم بصحته عمن أسند إليه كقول البخاري : وقال بهز ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الله أحق أن يستحيى منه " . قال ابن الصلاح : "فهذا ليس من شرطه قطعا . ولذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين" .

( وإن ورد ممرضا ) ، أي : اتي به بصيغة التمريض ، كقوله : ويذكر ، ويروى ، ويقال ، ونقل ، وروي ، ونحوها . فلا تحكمن بصحته . كقوله : ويروى عن ابن عباس [ ص: 139 ] وجرهد ومحمد بن جحش ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الفخذ عورة " ; لأن هذه الألفاظ استعمالها في الضعيف أكثر ، وإن استعملت في الصحيح . وكذا قوله : وفي الباب تستعمل في الأمرين معا . قال ابن الصلاح : ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه . وحمل ابن الصلاح قول البخاري : ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح . وقول الأئمة في الحكم بصحته على أن المراد مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها [ ص: 140 ]




الخدمات العلمية