الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سرق ]

                                                          سرق : سرق الشيء يسرقه سرقا وسرقا واسترقه ; الأخيرة عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          بعتكها زانية أو تسترق إن الخبيث للخبيث يتفق



                                                          اللام هنا بمعنى مع ، والاسم السرق والسرقة ، بكسر الراء فيهما ، وربما قالوا سرقه مالا . وفي المثل : سرق السارق فانتحر ، السرق : مصدر فعل السارق ، تقول برئت إليك من الإباق والسرق في بيع العبد . ورجل سارق من قوم سرقة وسراق ، وسروق من قوم سرق ، وسروقة ، ولا جمع له إنما هو كصرورة ، وكلب سروق لا غير ; قال :


                                                          ولا يسرق الكلب السروق نعالها



                                                          ويروى : السرو ، فعول من السرى ، وهي السرقة . سرقه ، نسبه إلى السرق ، وقرئ : ( إن ابنك سرق ) ; استرق السمع أي استرق مستخفيا . ويقال : هو يسارق النظر إليه إذا اهتبل غفلته لينظر إليه . وفي حديث عدي : ما نخاف على مطيتها السرق هو بمعنى السرقة ; وهو في الأصل مصدر ، ومنه الحديث : تسترق الجن السمع هو تفتعل من السرقة أي أنها تسمعه مختفية كما يفعل السارق ، وقد تكرر في الحديث فعلا ومصدرا ، قال ابن بري : وقد جاء سرق في معنى سرق قال الفرزدق :


                                                          لا تحسبن دراهما سرقتها     تمحو مخازيك التي بعمان



                                                          أي سرقتها ، قال : وهذا في المعنى كقولهم إن الرقين تغطي أفن الأفين أي لا تحسب كسبك هذه الدراهم مما يغطي مخازيك . والاستراق : الختل سرا كالذي يستمع والكتبة يسترقون من بعض الحسابات . ابن عرفة في قوله تعالى : والسارق والسارقة ; قال : السارق عند العرب من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له ؛ فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس ؛ فإن منع مما في يديه فهو غاصب . وقوله تعالى : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ; يعنون يوسف ، ويروى أنه كان أخذ في صغره صورة ، كانت تعبد لبعض من خالف ملة الإسلام ، من ذهب على جهة الإنكار لئلا تعظم الصورة وتعبد . والمسارقة والاستراق والتسرق : اختلاس النظر والسمع ; قال القطامي :


                                                          بخلت عليك ، فما يجود بنائل     إلا اختلاس حديثها المتسرق



                                                          وقول تميم بن مقبل :


                                                          فأما سراقات الهجاء ؛ فإنها     كلام تهاداه اللئام تهاديا



                                                          جعل السراقة فيه اسم ما سرق ، كما قيل : الخلاصة والنقاية لما خلص ونقي . وسرق الشيء سرقا : خفي . وسرقت مفاصله انسرقت : ضعفت ; قال الأعشى يصف الظبي :


                                                          فاتر الطرف في قواه انسراق



                                                          والانسراق : أن يخنس إنسان عن قوم ليذهب ; قال وقيل في قول الأعشى :


                                                          فهي تتلو رخص الظلوف ضئيلا     فاتر الطرف في قواه انسراق



                                                          إن الانسراق الفتور والضعف ; وقال الأعشى أيضا :


                                                          فيهن محروق النواصف مس     روق البغام وشادن أكحل



                                                          أراد أن في بغامه غنة فكأن صوته مسروق . والسرق : شقاق الحرير ، وقيل : هو أجوده واحدته سرقة ; قال الأخطل :

                                                          يرفلن في سرق الفرند وقزه يسحبن من هدابه أذيالا

                                                          قال أبو عبيدة : هو بالفارسية أصله ( سره ) أي جيد فعربوه كما عرب ( برق ) للحمل وأصله ( بره ) ، ويلمق للقباء وأصله ( يلمه ) ، وإستبرق للغليظ من الديباج وأصله ( استبره ) ، وقيل : أصله ( ستبره ) أي جيد فعربوه كما عربوا برق ويلمق ، وقيل : إنها البيض من شقق الحرير ; وأنشد للعجاج :


                                                          ونسجت لوامع الحرور     من رقرقان آلها المسجور
                                                          سبائبا كسرق الحرير



                                                          وفي الحديث عن ابن عمر : أن سائلا سأله عن بيع سرق الحرير قال : هلا قلت شقق الحرير ; قال أبو عبيد : سرق الحرير هي الشقق إلا أنها البيض خاصة ، وصرق الحرير بالصاد أيضا ; وأنشد ابن بري [ ص: 175 ] للأخطل :


                                                          كأن دجائجا ، في الدار رقطا     بنات الروم في سرق الحرير



                                                          وقال آخر :


                                                          يرفلن في سرق الحرير وقزه     يسحبن من هدابه أذيالا



                                                          وفي حديث عائشة قال لها : رأيتك يحملك الملك في سرقة من حرير أي قطعة من جيد الحرير ، وجمعها سرق . وفي حديث ابن عمر : رأيت كأن بيدي سرقة من حرير . وفي حديث ابن عباس : إذا بعتم السرق ؛ فلا تشتروه أي إذا بعتموه نسيئة ، وإنما خص السرق بالذكر لأنه بلغه أن تجارا يبيعونه نسيئة ثم يشترونه بدون الثمن ، وهذا الحكم مطرد في كل المبيعات ، وهو الذي يسمى العينة ، والسوارق : الجوامع ، واحدته سارقة ؛ قال أبو الطمحان :


                                                          ولم يدع داع مثلكم لعظيمة     إذا أزمت بالساعدين السوارق



                                                          وقيل : السوارق مسامير في القيود ; وبه فسر قول الراعي :


                                                          وأزهر سخى نفسه عن بلاده     حنايا حديد مقفل وسوارقه



                                                          وسارق وسراق ومسروق وسراقة ، كلها : أسماء ، أنشد سيبويه :


                                                          هذا سراقة للقرآن يدرسه     والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب



                                                          ومسرقان : موضع أيضا ; قال يزيد بن مفرغ الحميري وجمع بين الموضعين :


                                                          سقى هزم الأوساط منبجس العرى     منازلها من مسرقان وسرقا



                                                          وسراقة بن جعشم : من الصحابة ، وفي التهذيب : وسراقة بن مالك المدلجي : أحد الصحابة . وسرق : إحدى كور الأهواز ، وهن سبع . قال ابن بري : وسرق : اسم موضع في العراق ; قال أنس بن زنيم يخاطب الحارث بن بدر الغداني حين ولاه عبد االله بن زياد سرق :


                                                          أحار بن بدر ، قد وليت إمارة     فكن جرذا فيها تخون وتسرق
                                                          ولا تحقرن يا حار شيئا أصبته     فحظك من ملك العراقين سرق
                                                          فإن جميع الناس إما مكذب     يقول بما يهوى وإما مصدق
                                                          يقولون أقوالا ولا يعلمونها     وإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا



                                                          قال ابن بري : ويقال : لسارق الشعر سراقة ، ولسارق النظر إلى الغلمان الشافن .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية