الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4515 ) مسألة قال : ( أو مثلها إن كانت قد استهلكت ) وجملة ذلك أن اللقطة في الحول أمانة في يد الملتقط ، إن تلفت بغير تفريطه أو نقصت ، فلا ضمان عليه ، كالوديعة . ومتى جاء صاحبها ، فوجدها أخذها بزيادتها المتصلة والمنفصلة ; لأنها نماء ملكه . وإن أتلفها الملتقط ، أو تلفت بتفريطه ، ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وبقيمتها إن لم يكن لها مثل . لا أعلم في هذا خلافا

                                                                                                                                            وإن تلفت بعد الحول ، ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال ; لأنها دخلت في ملكه ، وتلفت من ماله ، وسواء فرط في حفظها أو لم يفرط . وإن وجد العين ناقصة ، وكان نقصها بعد الحول ، أخذ العين وأرش نقصها ; لأن جميعها مضمون إذا تلفت ، فكذلك إذا نقصت . وهذا قول أكثر الفقهاء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف ، وأما من قال : لا يملكها حتى يتملكها . لم يضمنه إياها حتى يتملكها ، وحكمها قبل تملكه إياها حكمها قبل مضي حول التعريف . ومن قال : لا تملك اللقطة بحال

                                                                                                                                            لم يضمنه إياها . وبهذا قال الحسن ، والنخعي ، وأبو مجلز والحارث العكلي ، ومالك ، وأبو يوسف ، قالوا : لا يضمن ، وإن ضاعت بعد الحول . وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها في ملكه . وقال داود : إذا تملك العين وأتلفها ، لم يضمنها .

                                                                                                                                            [ ص: 15 ] وحكى ابن أبي موسى ، عن أحمد ، أنه لوح إلى مثل هذا القول ; لحديث عياض بن حمار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { فإن جاء ربها ، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء }

                                                                                                                                            فجعله مباحا . وقوله في حديث أبي بن كعب : { فإن جاء من يعرفها ، وإلا فهي كسبيل مالك } . وفي حديث زيد : { فإن جاء صاحبها ، وإلا فشأنك بها } . وروي : " فهي لك " . ولم يأمره برد بدلها . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن لم تعرف فاستنفقها ، ولتكن وديعة عندك ، فإن جاء طالبها يوما من الدهر ، فادفعها إليه } . وقال الأثرم : قال أحمد : أذهب إلى حديث الضحاك بن عثمان . جوده ، ولم يروه أحد مثل ما رواه : { إن جاء صاحبها بعد سنة ، وقد أنفقها ، ردها إليه }

                                                                                                                                            لأنها عين يلزم ردها لو كانت باقية ، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها ، كما قبل الحول ، ولأنه مال معصوم ، فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقا ، كما لو اضطر إلى مال غيره ، وإن وجد العين زائدة بعد الحول زيادة متصلة ، أخذها بزيادتها ; لأنها تتبع في الرد بالعيب والإقالة ، فتبعت هاهنا . وإن حدث بعد الحول لها نماء منفصل ، فهو للملتقط ; لأنه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ ، فكان له ، كنماء المبيع إذا رد بعيب . وذكر أبو الخطاب فيه وجها آخر ، بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة ، والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته

                                                                                                                                            . والصحيح أن الزيادة للملتقط ; لما ذكرناه . وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهما أن الزيادة لمن حدثت في ملكه . ثم الفرق بينهما أنه في مسألتنا يضمن النقص ، فتكون له الزيادة ، ليكون الخراج بالضمان ، وثم لا ضمان عليه ، فأمكن أن لا يكون الخراج له ، والله أعلم . ومتى اختلفا في القيمة أو المثل ، فالقول قول الملتقط مع يمينه ; لأن الأصل براءة ذمته مما حلف عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية