الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سفع ]

                                                          سفع : السفعة والسفع : السواد والشحوب ، وقيل : نوع من السواد ليس بالكثير ، وقيل : السواد مع لون آخر ، وقيل : السواد المشرب حمرة ، الذكر أسفع والأنثى سفعاء ; ومنه قيل للأثافي سفع ، وهي التي أوقد بينها النار فسودت صفاحها التي تلي النار ; قال زهير :


                                                          أثافي سفعا في معرس مرجل

                                                          وفي الحديث : أنا وسفعاء الخدين الحانية على ولدها يوم القيامة كهاتين ، وضم إصبعيه ; أراد بسفعاء الخدين امرأة سوداء عاطفة على ولدها ، أراد أنها بذلت نفسها وتركت الزينة والترفه حتى شحب لونها واسود إقامة على ولدها بعد وفاة زوجها ، وفي حديث أبي عمرو النخعي : لما قدم عليه فقال : يا رسول الله إني رأيت في طريقي هذا رؤيا ، رأيت أتانا تركتها في الحي ولدت جديا أسفع أحوى ، فقال له : هل لك من أمة تركتها مسرة حملا ؟ قال : نعم ، قال : فقد ولدت لك غلاما وهو ابنك . قال : فما له أسفع أحوى ؟ قال : ادن مني ، فدنا منه ، وقال : هل بك من برص تكتمه ؟ وقال : نعم والذي بعثك بالحق ما رآه مخلوق ولا علم به ! قال : هو ذاك ! ومنه حديث أبي اليسر : أرى في وجهك سفعة من غضب أي تغيرا إلى السواد . ويقال : للحمامة المطوقة سفعاء لسواد علاطيها في عنقها . وحمامة سفعاء : سفعتها فوق الطوق ; وقال حميد بن ثور :


                                                          من الورق سفعاء العلاطين باكرت     فروع أشاء مطلع الشمس أسحما

                                                          ونعجة سفعاء : اسود خداها وسائرها أبيض . والسفعة في الوجه : سواد في خدي المرأة الشاحبة . وسفع الثور : نقط سود في وجهه ، ثور أسفع ومسفع . والأسفع : الثور الوحشي الذي في خديه سواد يضرب إلى الحمرة قليلا ; قال الشاعر يصف ثورا وحشيا شبه ناقته في السرعة به :


                                                          كأنها أسفع ذو جدة     يمسده البقل وليل سدي
                                                          كأنما ينظر من برقع     من تحت روق سلب مذود

                                                          شبه السفعة في وجه الثور ببرقع أسود ، ولا تكون السفعة إلا سوادا مشربا ورقة ، وكل صقر أسفع ، والصقور كلها سفع . وظليم أسفع : أربد . وسفعته النار والشمس والسموم تسفعه سفعا فتسفع : لفحته لفحا يسيرا فغيرت لون بشرته وسودته . والسوافع : لوافح السموم ; ومنه قول تلك البدوية لعمر بن عبد الوهاب الرياحي : ائتني في غداة قرة وأنا أتسفع بالنار . والسفعة : ما في دمنة الدار من زبل أو رمل أو رماد أو قمام ملتبد تراه مخالفا للون الأرض ، وقيل : السفعة في آثار الدار ما خالف من سوادها سائر لون الأرض ; قال ذو الرمة :


                                                          أم دمنة نسفت عنها الصبا سفعا     كما ينشر بعد الطية الكتب

                                                          ويروى : من دمنة ، ويروى : أو دمنة ; أراد سواد الدمن أن الريح هبت به فنسفته وألبسته بياض الرمل ; وهو قوله :


                                                          بجانب الزرق أغشته معارفها

                                                          وسفع الطائر ضريبته وسافعها : لطمها بجناحه . والمسافعة : المضاربة كالمطاردة ; ومنه قول الأعشى :


                                                          يسافع ورقاء غورية     ليدركها في حمام ثكن

                                                          أي يضارب ، وثكن : جماعات . وسفع وجهه بيده سفعا : لطمه . وسفع عنقه : ضربها بكفه مبسوطة ، وهو مذكور في حرف الصاد . وسفعه بالعصا : ضربه . وسافع قرنه مسافعة وسفاعا : قاتله ; قال خالد بن عامر :


                                                          كأن مجربا من أسد ترج     يسافع فارسي عبد سفاعا

                                                          وسفع بناصيته ورجله يسفع سفعا : جذب وأخذ وقبض . وفي التنزيل : لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة ; ناصيته مقدم رأسه ، أي لنصهرنها ولنأخذن بها أي لنقمئنه ولنذلنه ; ويقال : لنأخذن بالناصية إلى النار كما قال : فيؤخذ بالنواصي والأقدام . ويقال : معنى لنسفعن : لنسودن وجهه فكفت الناصية لأنها في مقدم الوجه ; قال الأزهري : فأما من قال لنسفعن بالناصية أي لنأخذن بها إلى النار فحجته قول الشاعر :


                                                          قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم     من بين ملجم مهره أو سافع

                                                          أراد وآخذ بناصيته . وحكى ابن الأعرابي : اسفع بيده أي خذ بيده . ويقال : سفع بناصية الفرس ليركبه ; ومنه حديث عباس الجشمي : إذا بعث المؤمن من قبره كان عند رأسه ملك فإذا خرج سفع بيده وقال : أنا قرينك في الدنيا ، أي أخذ بيده ، ومن قال : لنسفعن لنسودن وجهه فمعناه لنسمن موضع الناصية بالسواد ، اكتفى بها من سائر الوجه لأنه مقدم الوجه ; والحجة له قوله :


                                                          وكنت إذا نفس الغوي نزت به     سفعت على العرنين منه بميسم

                                                          أراد وسمته على عرنينه ، وهو مثل قوله تعالى : سنسمه على الخرطوم . وفي الحديث : ليصيبن أقواما سفع من النار أي علامة تغير ألوانهم . يقال : سفعت الشيء إذا جعلت عليه علامة ، يريد أثرا من النار . والسفعة : العين . ومرأة مسفوعة : بها سفعة أي إصابة عين ، ورواها أبو عبيد : شفعة ، ومرأة مشفوعة ، والصحيح ما قلناه . ويقال : به سفعة من الشيطان أي مس كأنه أخذ بناصيته . وفي حديث أم سلمة ، رضي الله عنها ، أنه ، صلى الله عليه وسلم ، دخل عليها وعندها جارية بها سفعة ، فقال : إن بها نظرة فاسترقوا لها أي علامة من الشيطان ، وقيل : ضربة واحدة منه يعني أن الشيطان أصابها ، وهي المرة من السفع الأخذ ، المعنى أن السفعة أدركتها من قبل النظرة فاطلبوا لها الرقية ، وقيل : السفعة العين ، والنظرة الإصابة بالعين ; ومنه حديث [ ص: 200 ] ابن مسعود : قال لرجل رآه : إن بهذا سفعة من الشيطان ، فقال له الرجل : لم أسمع ما قلت ، فقال : نشدتك بالله هل ترى أحدا خيرا منك ؟ قال : لا قال : فلهذا قلت ما قلت ، جعل ما به من العجب بنفسه مسا من الجنون . والسفعة والشفعة ، بالسين والشين : الجنون . ورجل مسفوع ومشفوع أي مجنون . والسفع : الثوب ، وجمعه سفوع ; قال الطرماح :


                                                          كما بل متني طفية نضح عائط     يزينها كن لها وسفوع

                                                          أراد بالعائط جارية لم تحمل . وسفوعها : ثيابها . واستفع الرجل : لبس ثوبه . واستفعت المرأة ثيابها إذا لبستها ، وأكثر ما يقال : ذلك في الثياب المصبوغة . وبنو السفعاء : قبيلة . وسافع وسفيع ومسافع : أسماء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية