الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سكر ]

                                                          سكر : السكران : خلاف الصاحي . والسكر : نقيض الصحو . والسكر ثلاثة : سكر الشباب وسكر المال وسكر السلطان ; وسكر يسكر سكرا وسكرا وسكرا وسكرانا فهو سكر ، عن سيبويه . وسكران ، والأنثى سكرة وسكرى وسكرانة ; الأخيرة عن أبي علي في التذكرة . قال : ومن قال هذا واجب عليه أن يصرف سكران في النكرة . الجوهري : لغة بني أسد سكرانة والاسم السكر ، بالضم ، وأسكره الشراب والجمع سكارى وسكارى وسكرى ; وقوله تعالى : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ; وقرئ سكرى وما هم بسكرى ، التفسير أنك تراهم سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب ، يدل عليه قوله تعالى : ولكن عذاب الله شديد ; ولم يقرأ أحد من القراء سكارى ، بفتح السين ، وهي لغة ولا تجوز القراءة بها لأن القراءة سنة . قال أبو الهيثم : النعت الذي على فعلان يجمع على فعالى وفعالى مثل أشران وأشارى وأشارى ، وغيران وقوم غيارى وغيارى ، وإنما قالوا سكرى وفعلى أكثر ما تجيء جمعا لفعيل بمعنى مفعول مثل قتيل وقتلى وجريح وجرحى وصريع وصرعى ، لأنه شبه بالنوكى والحمقى والهلكى لزوال عقل السكران ، وأما النشوان فلا يقال في جمعه غير النشاوى ، وقال الفراء : لو قيل : سكرى على أن الجمع يقع عليه التأنيث فيكون كالواحدة كان وجها ; وأنشد بعضهم :


                                                          أضحت عامر غضبى أنوفهم إني عفوت فلا عار ولا باس

                                                          وقوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ; قال ثعلب : إنما قيل هذا : قبل أن ينزل تحريم الخمر ، وقال غيره : إنما عنى هنا سكر النوم يقول : لا تقربوا الصلاة روبى . ورجل سكير دائم السكر . ومسكير وسكر وسكور : كثير السكر ; الأخيرة عن ابن الأعرابي ; وأنشد لعمرو بن قميئة :


                                                          يا رب من أسفاه أحلامه     أن قيل يوما إن عمرا سكور

                                                          وجمع السكر سكارى كجمع سكران لاعتقاب فعل وفعلان كثيرا [ ص: 216 ] على الكلمة الواحدة . ورجل سكير لا يزال سكران ، وقد أسكره الشراب . وتساكر الرجل أظهر السكر واستعمله ; قال الفرزدق :


                                                          أسكران كان ابن المراغة إذ هجا     تميما بجوف الشام أم متساكر ؟

                                                          تقديره : أكان سكران ابن المراغة فحذف الفعل الرافع وفسره بالثاني فقال : كان ابن المراغة ; قال سيبويه : فهذا إنشاد بعضهم وأكثرهم ينصب السكران ويرفع الآخر على قطع وابتداء ، يريد أن بعض العرب يجعل اسم كان سكران ومتساكر وخبرها ابن المراغة وقوله وأكثرهم ينصب السكران ويرفع الآخر على قطع وابتداء يريد أن سكران خبر كان مضمرة ، تفسيرها هذه المظهرة ، كأنه قال : أكان سكران ابن المراغة كان سكران ويرفع متساكر على أنه خبر ابتداء مضمر ، كأنه قال : أم هو متساكر . وقولهم : ذهب بين الصحوة والسكرة إنما هو بين أن يعقل ولا يعقل ، والمسكر : المخمور ; قال الفرزدق :


                                                          أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه     ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا

                                                          وسكرة الموت : شدته . وقوله تعالى : وجاءت سكرة الموت بالحق ; سكرة الميت غشيته التي تدل الإنسان على أنه ميت . وقوله : بالحق أي بالموت الحق . قال ابن الأعرابي : السكرة الغضبة ، والسكرة : غلبة اللذة على الشباب ، والسكر : الخمر نفسها ، والسكر : شراب يتخذ من التمر والكشوث والآس ، وهو محرم كتحريم الخمر . وقال أبو حنيفة : السكر يتخذ من التمر والكشوث يطرحان سافا سافا ويصب عليه الماء . قال : وزعم زاعم أنه ربما خلط به الآس فزاده شدة . وقال : المفسرون في السكر الذي في التنزيل إنه الخل وهذا شيء لا يعرفه أهل اللغة . الفراء : في قوله : تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ; قال : هو الخمر قبل أن يحرم والرزق الحسن الزبيب والتمر وما أشبههما . وقال أبو عبيد : السكر نقيح التمر الذي لم تمسه النار ، وكان إبراهيم والشعبي وأبو رزين يقولون : السكر خمر . وروي عن ابن عمر أنه قال : السكر من التمر ، وقال أبو عبيدة وحده : السكر : الطعام ; يقول الشاعر :


                                                          جعلت أعراض الكرام سكرا

                                                          أي جعلت ذمهم طعما لك . وقال الزجاج : هذا بالخمر أشبه منه بالطعام ; المعنى : جعلت تتخمر بأعراض الكرام ، وهو أبين مما يقال للذي يبترك في أعراض الناس . وروى الأزهري عن ابن عباس في هذه الآية قال : السكر ما حرم من ثمرتها ، والرزق ما أحل من ثمرتها . ابن الأعرابي : السكر الغضب ; والسكر : الامتلاء ; والسكر : الخمر ، والسكر : النبيذ ; وقال جرير :


                                                          إذا روين على الخنزير من سكر     نادين يا أعظم القسين جردانا

                                                          وفي الحديث : حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب ، السكر بفتح السين والكاف : الخمر المعتصر من العنب ، قال ابن الأثير : هكذا رواه الأثبات منهم من يرويه بضم السين وسكون الكاف يريد حالة السكران فيجعلون التحريم للسكر لا لنفس المسكر ، فيبيحون قليله الذي لا يسكر ، والمشهور الأول ، وقيل : السكر بالتحريك الطعام وأنكر أهل اللغة هذا والعرب لا تعرفه . وفي حديث أبي وائل : أن رجلا أصابه الصقر فبعث له السكر فقال : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . والسكار : النباذ . وسكرة الموت : غشيته وكذلك سكرة الهم والنوم ونحوهما ; وقوله :


                                                          فجاءونا بهم سكر علينا     فأجلى اليوم والسكران صاحي

                                                          أراد سكر فأتبع الضم الضم ; ليسلم الجزء من العصب ، ورواه يعقوب سكر . وقال اللحياني : ومن قال : سكر علينا فمعناه غيظ وغضب . ابن الأعرابي : سكر من الشراب يسكر سكرا ، وسكر من الغضب ، ويسكر سكرا إذا غضب ; وأنشد البيت . وسكر بصره : غشي عليه . وفي التنزيل العزيز : لقالوا إنما سكرت أبصارنا ; أي حبست عن النظر وحيرت . وقال أبو عمرو بن العلاء : معناها غطيت وغشيت ، وقرأها الحسن مخففة وفسرها سحرت ، التهذيب : قرئ سكرت وسكرت بالتخفيف والتشديد ، ومعناهما أغشيت وسدت بالسحر ، فيتخايل بأبصارنا غير ما نرى ، وقال مجاهد : سكرت أبصارنا أي سدت ، قال أبو عبيد : يذهب مجاهد إلى أن الأبصار غشيها ما منعها من النظر كما يمنع السكر الماء من الجري فقال أبو عبيدة : سكرت أبصار القوم إذا دير بهم وغشيهم كالسمادير فلم يبصروا ; وقال أبو عمرو بن العلاء : سكرت أبصارنا مأخوذ من سكر الشراب كأن العين لحقها ما يلحق شارب المسكر إذا سكر ، وقال الفراء : معناه حبست ومنعت من النظر . الزجاج : يقال : سكرت عينه تسكر إذا تحيرت وسكنت عن النظر ، وسكر الحر يسكر ; وأنشد :


                                                          جاء الشتاء واجثأل القبر     وجعلت عين الحرور تسكر

                                                          قال أبو بكر : اجثأل معناه اجتمع وتقبض . والتسكير للحاجة : اختلاط الرأي فيها قبل أن يعزم عليها فإذا عزم عليها ذهب اسم التسكير وقد سكر . وسكر النهر يسكره : وسكرا سد فاه وكل شق سد فقد سكر . والسكر ما سد به . والسكر سد الشق ومنفجر الماء السكر ، اسم ذلك السداد الذي يجعل سدا للشق ونحوه . وفي الحديث : أنه قال للمستحاضة لما شكت إليه كثرة الدم : اسكريه ، أي سديه بخرقة وشديه بعصابة ، تشبيها بسكر الماء ، والسكر المصدر . ابن الأعرابي : سكرته ملأته . والسكر ، بالكسر ، العرم . والسكر أيضا : المسناة والجمع سكور . وسكرت الريح تسكر سكورا وسكرانا : سكنت بعد الهبوب ، وليلة ساكرة : ساكنة لا ريح فيها ; قال أوس بن حجر :


                                                          تزاد ليالي في طولها     فليست بطلق ولا ساكره

                                                          وفي التهذيب قال أوس :


                                                          جذلت على ليلة ساهره [ ص: 217 ]     فليست بطلق ولا ساكره

                                                          أبو زيد : الماء الساكر الساكن الذي لا يجري ; وقد سكر سكورا . وسكر البحر : ركد ; أنشد ابن الأعرابي في صفة بحر :


                                                          يقيء زعب الحر حين يسكر

                                                          كذا أنشده ، يسكر على صيغة فعل المفعول ، وفسره بيركد على صيغة فعل الفاعل . والسكر من الحلواء : فارسي معرب ; قال :


                                                          يكون بعد الحسو والتمزر     في فمه مثل عصير السكر

                                                          والسكرة : الواحدة من السكر ، وقول أبي زياد الكلابي في صفة العشر : وهو مر لا يأكله شيء ومغافيره سكر ; إنما أراد مثل السكر في الحلاوة . وقال أبو حنيفة : السكر عنب يصيبه المرق فينتثر فلا يبقى في العنقود إلا أقله ، وعناقيده أوساط ، وهو أبيض رطب صادق الحلاوة عذب من طرائف العنب ، ويزبب أيضا . والسكر : بقلة من الأحرار : عن أبي حنيفة ، قال : ولم يبلغني لها حلية . والسكرة المريراء التي تكون في الحنطة . والسكران : موضع ; قال كثير يصف سحابا :


                                                          وعرس بالسكران يومين وارتكى     يجر كما جر المكيث المسافر

                                                          والسيكران : نبت ، قال :


                                                          وشفشف حر الشمس كل بقية     من النبت إلا سيكرانا وحلبا

                                                          قال أبو حنيفة : السيكران مما تدوم خضرته القيظ كله . قال : وسألت شيخا من الأعراب عن السيكران فقال : هو السخر ونحن نأكله رطبا أي أكل ، قال : وله حب أخضر كحب الرازيانج . ويقال للشيء الحار إذا خبا حره وسكن فوره : قد سكر يسكر وسكره تسكيرا : خنقه ، والبعير يسكر آخر بذراعه حتى يكاد يقتله . التهذيب : روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال : السكركة خمر الحبشة ; قال أبو عبيد : وهي من الذرة ; قال الأزهري : وليست بعربية ، وقيده شمر بخطه : السكركة ، الجزم على الكاف والراء مضمومة ، وفي الحديث : أنه سئل عن الغبيراء فقال : لا خير فيها ، ونهى عنها ; قال مالك : فسألت زيد بن أسلم : ما الغبيراء ؟ فقال : هي السكركة ، بضم السين والكاف وسكون الراء ، نوع من الخمور تتخذ من الذرة ، وهي لفظة حبشية قد عربت ، وقيل : السقرقع ، وفي الحديث : لا آكل في سكرجة ; هي ، بضم السين والكاف والراء والتشديد ، إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم ، وهي فارسية ، وأكثر ما يوضع فيها الكوامخ ونحوها ،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية