الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              [ ص: 2 ] ( كتاب السلم ) ويقال له السلف وأصله قبل الإجماع - إلا ما شذ به ابن المسيب - آية الدين فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالسلم .

                                                                                                                              والخبر الصحيح { من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } ( هو ) شرعا ( بيع ) شيء ( موصوف في الذمة ) بلفظ السلف أو السلم كما سيعلم [ ص: 3 ] من كلامه فلا اعتراض عليه .

                                                                                                                              وأجاب الشارح بأن هذا تعريف له بخاصته المتفق عليها وقد يستشكل تعبيره بالخاصة لأنها توجد في غيره وهو البيع في الذمة ويجاب بمنع ذلك .

                                                                                                                              وبيانه أن من الظاهر أن الشارع وضع لفظ البيع لمطلق المقابلة من غير اعتبار قيد زائد من تعيين أو وصف في الذمة نظير وضع اسم الجنس ، ووضع لفظ السلم لمقابلة بقيد الثاني نظير علم الجنس سواء أعقد بلفظ سلم ولا خلاف فيه أو بيع على القول الآتي أنه سلم فالوصف في الذمة خاصة لماهية السلم اتفاقا واشترط لفظ السلم خاصة لها على الأصح واقتصر المصنف في التعريف على المتفق عليه دون المختلف فيه لأن الغالب في التعاريف ولو الناقصة ذلك . قيل ليس لنا عقد يختص بصيغة واحدة إلا هذا والنكاح ، وأراد بواحدة مع كونها ثنتين هنا وثم اتحاد المعنى لا اللفظ فهما من حيز الترادف ، وعرف بغير ذلك مما هو غير مانع ويعلم من كونه بيعا امتناع إسلام الكافر في نحو مسلم خلافا للماوردي .

                                                                                                                              قال في الأنوار ما حاصله وكذا لو كان المسلم مسلما والمسلم إليه كافرا والعبد المسلم فيه غير حاصل عنده ا هـ .

                                                                                                                              وفي تقييده بغير حاصل عنده نظر ظاهر وإن نقله شارح وأقره [ ص: 4 ] ؛ لأنه إن نظر لعزة تحصيله للمسلم لتعذر دخوله في ملكه اختيارا إلا في صور نادرة فلا فرق كما لو أسلم في لؤلؤة كبيرة فالذي يتجه عدم الصحة مطلقا .

                                                                                                                              أما بلفظ البيع فهو بيع وإن أعطي حكم السلم في منع الاستبدال عنه نظرا للمعنى كما مر ويأتي .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 2 ] ( كتاب السلم ) [ ص: 3 ] قوله من كلامه ) أي قوله ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا إلخ وقوله فلا اعتراض عليه أي إذ هو حذف لدليل وهو جائز ( قوله وقد يستشكل ) لا إشكال مع ملاحظة ما قرروه من انقسام الخاصة إلى مطلقة وهي ما تختص بالشيء بالقياس إلى جميع ما عداه كالضاحك للإنسان وإلى إضافية وهي ما يختص بالشيء بالقياس إلى بعض أغياره كالماشي للإنسان فإن قلت فإذا كانت الخاصة هنا إضافية ؛ لأنها تخص السلم بالنسبة إلى بعض أغياره وهو بيع الأعيان فهل يصح التعريف بها قلت نعم على ما صوبه السيد فقال والصواب أن المعتبر في المعرف كونه موصلا إلى تصور الشيء إما بالكنه أو بوجه ما ، سواء أكان مع التصور بالوجه يميزه عما عداه أو عن بعض ما عداه انتهى .

                                                                                                                              ( قوله ويجاب بمنع ذلك ) إن كان مبنى هذا الجواب على أنه معتبر في خاصة الشيء اعتبار الواضع إياها في مفهومه فممنوع أو مجرد وجودها فيه دون غيره فالوصف بالذمة ليس كذلك بالنسبة للسلم فتدبر .

                                                                                                                              . ( قوله وبيانه أن من الظاهر إلخ ) ملخص هذا البيان كما يعرف بالتأمل دعوى أن خاصة الشيء ما اعتبره الواضع فيه وإن وجد في غيره من غير اعتباره فيه وهذا ممنوع يؤيد المنع أن كلا من الضاحك والماشي خاصة للإنسان مع أن واحدا منهما لم يعتبره الواضع فيه وقد عرفوا الخاصة بأنها الخارج المقول على ما تحته حقيقة واحدة فقط فليتأمل انتهى .

                                                                                                                              ( قوله نظير علم الجنس ) تنظير السلم الذي هو صنف من البيع بعلم الجنس يشعر بأن معنى علم الجنس أخص من معنى اسم الجنس وهو وهم بل معناهما واحد بالذات وإنما يختلف بالاعتبار لأن التعين والمعهودية معتبرة في معنى علم الجنس دون اسمه كما تقرر في محله .

                                                                                                                              ( قوله لأن الغالب ) [ ص: 4 ] قد يمنع ( قوله فلا فرق ) قد يفرق ( قوله ويأتي ) انظره مع قوله الآتي فعلى الأول إلى قوله ويجوز الاعتياض عنه إلا أن يكون ذاك في رأس المال وهذا في المبيع بناء على أن رأس المال هنا مما يجوز الاعتياض عنه لكن هذا يخالف ما يأتي عن شرح الروض في توجيه بطلان الحوالة المفيد امتناع الاعتياض عن رأس المال .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 2 ] كتاب السلم ) أي كتاب بيان حقيقته وأحكامه ا هـ ع ش ( قوله ويقال له إلخ ) أي لغة هذه الصيغة تشعر بأن السلم هو الكثير المتعارف وأن هذه اللغة قليلة ا هـ ع ش وعبارة المغني السلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق سمي أي هذا العقد سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه ا هـ .

                                                                                                                              وقوله سمي إلخ في النهاية مثله قال ع ش قوله لتسليم إلخ أي لاشتراط التسليم لصحة العقد وقوله لتقديمه أي تقديم نقده على استيفاء المسلم فيه غالبا ومن غير الغالب ما لو كان حالا أو عجله المسلم إليه ودفعه حالا في مجلس العقد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويقال له ) إلى قوله وقد يستشكل في النهاية وكذا في المغني إلا قوله لا إلى آية الدين ( قوله إلا ما شذ به إلخ ) انظر الذي شذ به هل هو عدم جواز السلم أو أن جوازه معتبر على وجه مخالف لما عليه الأئمة فيه نظر والظاهر الأول فليراجع ا هـ ع ش أقول بل الظاهر الثاني وإلا لكان الظاهر أن يقول إلا من شذ ابن المسيب ( قوله آية الدين ) أي قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } الآية ( قوله والخبر الصحيح إلخ ) عبارة النهاية وخبر الصحيحين { من أسلم في شيء فليسلم في كيل } إلخ وعبارة المغني وشرح المنهج وخبر الصحيحين { من أسلف في شيء فليسلف في كيل } إلخ فلعل الرواية متعددة .

                                                                                                                              ( قوله ووزن معلوم ) الواو بمعنى أو إذ لا يجوز الجمع بين الكيل والوزن ا هـ ع ش ( قوله إلى أجل معلوم ) ومعنى الخبر من أسلم في مكيل فليكن معلوما أو موزون فليكن معلوما أو إلى أجل فليكن معلوما لا أنه حصره في الكيل والوزن والأجل ا هـ نهاية قال ع ش قوله م ر لا أنه حصره إلخ وذلك لأنه يلزم على ظاهره فساد السلم في غير المكيل والموزون وفي الحال ا هـ قول المتن ( هو بيع ) يؤخذ من جعله بيعا أنه قد يكون صريحا وهو ظاهر وقد يكون كناية كالكتابة وإشارة الأخرس التي يفهمها الفطن دون غيره ا هـ ع ش ( قوله شيء موصوف ) فموصوف بالجر صفة لموصوف محذوف كما نبه عليه المحلي وإنما فعل كذلك لأنه لو قرئ بالرفع كان المعنى بيع موصوف في الذمة والبيع لا يصح وصفه بكونه في الذمة إلا بتجوز كأن يقال موصوف [ ص: 3 ] مبيعه أو ما تعلق به أو نحو ذلك ولا حاجة إليه ا هـ ع ش ( قوله من كلامه ) أي قوله ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا إلخ وقوله فلا اعتراض عليه إذ هو حذف لدليل وهو جائز ا هـ سم و ( قوله فلا اعتراض ) المعترض هو الدميري حيث قال يرد عليه ما إذا عقد بلفظ البيع ولم يتعرض للفظ السلم فإنه ينعقد بيعا لا سلما ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بأن هذا تعريف له بخاصته ) يجوز أن يكون مراد الشارح بالخاصة الخاصة الإضافية لا الحقيقية ويكون الغرض من التعريف التمييز عن بعض الأغيار كبيع الأعيان لا عن سائر الأغيار والله أعلم .

                                                                                                                              ثم رأيت المحشي سم أشار إلى جميع ما ذكر ووجه صحة التعريف بما أشرنا إليه ونقل عن السيد - قدس سره - أنه قد يكون الغرض من التعريف تمييزه عن بعض ما عداه ا هـ سيد عمر ( قوله وهو البيع في الذمة ) أي بلفظ البيع ( قوله ويجاب بمنع ذلك ) إن كان مبنى هذا الجواب على أنه معتبر في خاصة الشيء اعتبار الواضع إياها في مفهومه فممنوع أو مجرد وجودها فيه دون غيره فالوصف بالذمة ليس كذلك بالنسبة للسلم تدبر ا هـ سم ( قوله وبيانه ) أي المنع ( قوله وضع لفظ البيع لمطلق المقابلة إلخ ) لا يخفى أن البيع شرعا وإن كان ما أفاده لكن تحته فردان بيع الأعيان وبيع الذمة ولا شك أن بيع الذمة مغاير للسلم بالماهية وأن المعنى المذكور متحقق فيه فلم يثبت كونه خاصة حقيقة فتعين التعويل على ما أشرنا إليه ا هـ سيد عمر ( قوله لفظ السلم ) أي والسلف ( قوله لمقابلة ) بالتنوين وفي أكثر النسخ فيما اطلعنا لمقابلته بالإضافة إلى الضمير ولعله من الناسخ ( قوله بقيد الثاني ) أي الوصف في الذمة ا هـ كردي ( قوله نظير علم الجنس ) يشعر بأن معنى علم الجنس أخص من معنى اسم الجنس وهو وهم بل معناهما واحد بالذات وإنما يختلف بالاعتبار لأن التعين والمعهود به أي الذهني معتبرة في معنى علم الجنس دون اسمه كما تقرر في محله ا هـ سم ( قوله أعقد ) الهمزة للاستفهام ( قوله بلفظ سلم ) أي أو سلف ( قوله لفظ السلم ) أي أو السلف ( قوله لأن الغالب إلخ ) قد يمنع ا هـ سم ( قوله ذلك ) أي التعريف بالمتفق عليه ( قوله قيل ليس إلخ ) عبارة المغني قال الزركشي وليس إلخ .

                                                                                                                              ( قوله قيل إلخ ) أي قال بعضهم وليس الغرض تضعيفه ا هـ ع ش ( قوله مع كونهما ثنتين هنا ) وهما السلم والسلف ( وثم ) وهما النكاح والتزويج ا هـ كردي ( قوله ويعلم ) إلى قوله قال في النهاية والمغني ثم قالا ومثل الرقيق المسلم المرتد كما مر في باب المبيع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إسلام الكافر ) من إضافة المصدر إلى فاعله ( قوله في نحو مسلم ) أي من كل ما يمتنع تملك الكافر له كالمصحف وكتب العلم والسلاح في إسلام الحربي ا هـ ع ش ( قوله والعبد المسلم [ ص: 4 ] فيه ) أي المسلم ا هـ بصري ( قوله لأنه إن نظر لعزة تحصيله إلخ ) هل التعليل منحصر في ذلك ينبغي أن يتأمل ا هـ سيد عمر عبارة سم قوله فلا فرق قد يفرق . ا هـ . وأشار ع ش إلى الجواب بما نصه قال حج الذي يتجه فيه عدم الصحة مطلقا أي سواء كان حاصلا عند الكافر أو لا أقول وذلك لندرة دخول العبد المسلم في ملك الكافر فأشبه السلم فيما يعز وجوده ولا يرد ما لو كان في ملكه مسلم لأن ما في الذمة لا ينحصر فيه ولا يجب دفعه عما فيها ويجوز تلفه قبل التسليم فلا يحصل به المقصود ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أما بلفظ البيع إلخ ) محترز قوله سابقا بلفظ السلف أو السلم ( قوله كما مر ) أي في المبيع قبل القبض ا هـ كردي ( قوله ويأتي ) أي في فصل لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه بقوله ومثله المبيع في الذمة ( قوله ويأتي ) انظره مع قوله الآتي فعلى الأول إلى قوله ويجوز الاعتياض عنه إلا أن يكون ذاك في رأس المال وهذا في المبيع بناء على أن رأس المال هنا مما يجوز الاعتياض عنه لكن هذا يخالف ما يأتي عن شرح الروض في توجيه بطلان الحوالة المفيد امتناع الاعتياض عن رأس المال ا هـ سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية