الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سلل ]

                                                          سلل : السل : انتزاع الشيء وإخراجه في رفق ، سله يسله سلا واستله فانسل وسللته أسله سلا . والسل : سلك الشعر من العجين ونحوه . والانسلال : المضي والخروج من مضيق أو زحام . سيبويه : انسللت ليست للمطاوعة إنما هي كفعلت كما أن افتقر كضعف ; وقول الفرزدق :


                                                          غداة توليتم كأن سيوفكم ذآنين في أعناقكم لم تسلسل

                                                          فك التضعيف كما قالوا هو يتململ ، وإنما هو يتملل ، وهكذا رواه ابن الأعرابي فأما ثعلب فرواه لم تسلل ، تفعل من السل . وسيف سليل : مسلول . وسللت السيف وأسللته بمعنى . وأتيناهم عند السلة أي عند استلال السيوف ; قال بن قيس بن خالد الكناني :


                                                          هذا سلاح كامل وأله     وذو غرارين سريع السله

                                                          وانسل وتسلل : انطلق في استخفاء . الجوهري : انسل من بينهم أي خرج . وفي المثل : رمتني بدائها وانسلت ، وتسلل مثله . وفي حديث عائشة : فانسللت من بين يديه أي مضيت وخرجت بتأن وتدريج . وفي حديث حسان : لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين . وفي حديث الدعاء : اللهم اسلل سخيمة قلبي . وفي الحديث الآخر : من سل سخيمته في طريق الناس . وفي حديث أم زرع : مضجعه كمسل شطبة ; المسل : مصدر بمعنى المسلول أي ما سل من قشره ، والشطبة : السعفة الخضراء ، وقيل السيف . والسلالة : ما انسل من الشيء . ويقال : سللت السيف من الغمد فانسل . وانسل فلان من بين القوم يعدو إذا خرج في خفية يعدو . وفي التنزيل العزيز : يتسللون منكم لواذا ; قال الفراء : يلوذ هذا بهذا يستتر ذا بذا ; وقال الليث : يتسللون وينسلون واحد . والسليلة : الشعر ينفش ثم يطوى ويشد ثم تسل منه المرأة الشيء بعد الشيء تغزله . ويقال : سليلة من شعر لما استل من ضريبته ، وهي شيء ينفش منه ثم يطوى ويدمج طوالا ، طول كل واحدة نحو من ذراع في غلظ أسلة الذراع ويشد ثم تسل منه المرأة الشيء بعد الشيء فتغزله . وسلالة الشيء : ما استل منه ، والنطفة سلالة الإنسان ; ومنه قول الشماخ :


                                                          طوت أحشاء مرتجة لوقت     على مشج سلالته مهين

                                                          وقال حسان بن ثابت :


                                                          فجاءت به غضب الأديم غضنفرا     سلالة فرج كان غير حصين

                                                          وفي التنزيل العزيز : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ; قال الفراء : السلالة الذي سل من كل تربة ; وقال أبو الهيثم : السلالة ما سل من صلب الرجل وترائب المرأة كما يسل الشيء سلا . والسليل : الولد سمي سليلا لأنه خلق من السلالة . والسليل : الولد حين يخرج من بطن أمه ، وروي عن عكرمة أنه قال في السلالة : إنه الماء يسل من الظهر سلا ; وقال الأخفش : السلالة الولد ، والنطفة السلالة ; وقد جعل الشماخ السلالة الماء في قوله :


                                                          على مشج سلالته مهين

                                                          قال : والدليل على أنه الماء قوله تعالى : وبدأ خلق الإنسان من طين ; يعني آدم ثم جعل نسله من سلالة ، ثم ترجم عنه فقال : من ماء مهين ; فقوله عز وجل : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ; أراد بالإنسان ولد آدم ، جعل الإنسان اسما للجنس ، وقوله من طين أراد أن تلك السلالة تولدت من طين خلق منه آدم في الأصل ، وقال قتادة : استل آدم من طين فسمي سلالة ، قال : وإلى هذا ذهب الفراء ; وقال الزجاج : من سلالة من طين ، سلالة فعالة ، فخلق الله آدم عليه السلام . . . والسلالة والسليل : الولد ، والأنثى سليلة . أبو عمرو : السليلة بنت الرجل من صلبه ; وقالت هند بنت النعمان :


                                                          وما هند إلا مهرة عربية [ ص: 239 ]     سليلة أفراس تجللها بغل

                                                          قال ابن بري : وذكر بعضهم أنها تصحيف وأن صوابه نغل ، بالنون ، وهو الخسيس من الناس والدواب لأن البغل لا ينسل . ابن شميل : يقال للإنسان أيضا أول ما تضعه أمه سليل . والسليل والسليلة : المهر والمهرة . وقيل : السليل المهر يولد في غير ماسكة ولا سلى ، فإن كان في واحدة منهما فهو بقير ، وقد تقدم ; وقوله أنشده ثعلب :


                                                          أشق قساميا رباعي جانب     وقارح جنب سل أقرح أشقرا

                                                          معنى سل أخرج سليلا . والسليل : دماغ الفرس ; وأنشد الليث :


                                                          كقونس الطرف أوفى شأن قمحدة     فيه السليل حواليه له إرم

                                                          والسليل : السنام . الأصمعي : إذا وضعت الناقة فولدها ساعة تضعه سليل قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى . وسلائل السنام : طرائق طوال تقطع منه . وسليل اللحم : خصيله ، وهي السلائل . وقال الأصمعي : السليل طرائق اللحم الطوال تكون ممتدة مع الصلب . وسلسل إذا أكل السلسلة ، وهي القطعة الطويلة من السنام ، وقال أبو عمرو : هي اللسلسة ، وقال الأصمعي هي اللسلسة ، ويقال سلسلة . ويقال انسل وانشل بمعنى واحد ، يقال ذلك في السيل والناس ; قاله شمر . والسليل : لحم المتن ; وقول تأبط شرا :


                                                          وأنضوا الملا بالشاحب المتسلسل

                                                          هو الذي قد تخدد لحمه وقل ، وقال أبو منصور : أراد به نفسه ، أراد أقطع الملا وهو ما اتسع من الفلاة وأنا شاحب متسلسل ; ورواه غيره :


                                                          وأنضو الملا بالشاحب المتشلشل

                                                          بالشين المعجمة ، وسيأتي ذكره ، وفسره أنضو أجوز ، والملا الصحراء ، والشاحب الرجل الغزاء ، قال : وقال الأصمعي : الشاحب سيف قد أخلق جفنه ، والمتشلشل الذي يقطر الدم منه لكثرة ما ضرب به . والسليلة : عقبة أو عصبة أو لحمة ذات طرائق ينفصل بعضها من بعض . وسليلة المتن : ما استطال من لحمه . والسليل : النخاع ; قال الأعشى :


                                                          ودأيا لواحك مثل الفئو     س لاءم منها السليل الفقارا

                                                          وقيل : السليل لحمة المتنين ، والسلائل : نغفات مستطيلة في الأنف . والسليل : مجرى الماء في الوادي ، وقيل السليل وسط الوادي حيث يسيل معظم الماء . وفي الحديث : اللهم اسقنا من سليل الجنة ، وهو صافي شرابها ، قيل له سليل لأنه سل حتى خلص ، وفي رواية : اللهم اسق عبد الرحمن من سليل الجنة ; قال : هو الشراب البارد ، وقيل : السهل في الحلق ، ويروى " سلسبيل الجنة " وهو عين فيها ; وقيل الخالص الصافي من القذى والكدر ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، ويروى سلسال وسلسبيل . والسليل : واد واسع غامض ينبت السلم والضعة والينمة والحلمة والسمر ، وجمعه سلان ; عن كراع ، وهو السال والجمع سلان أيضا . التهذيب في هذه الترجمة : السال مكان وطيء وما حوله مشرف ، وجمعه سوال ، يجتمع إليه الماء . الجوهري : والسال المسيل الضيق في الوادي . الأصمعي : السلان واحدها سال وهو المسيل الضيق في الوادي ، وقال غيره : السلسلة الوحرة ، وهي رقيطاء لها ذنب دقيق تمصع به إذا عدت ، يقال إنها ما تطأ طعاما ولا شرابا إلا سمته فلا يأكله أحد إلا وحر وأصابه داء ربما مات منه . ابن الأعرابي : يقال سليل من سمر ، وغال من سلم ، وفرش من عرفط ; قال زهير :


                                                          كأن عيني وقد سال السليل بهم     وجيرة ما هم لو أنهم أمم

                                                          ويروى :


                                                          وعبرة ما هم لو أنهم أمم

                                                          قال ابن بري : قوله سال السليل بهم أي ساروا سيرا سريعا ، يقول : انحدروا به فقد سال بهم ، وقوله ما هم ، ما زائدة ، وهم مبتدأ ، وعبرة خبره أي هم لي عبرة ; ومن رواه وجيرة ما هم ، فتكون ما استفهامية أي أي جيرة هم ، والجملة صفة لجيرة ، وجيرة خبر مبتدإ محذوف . والسال : موضع فيه شجر . والسليل والسلان : الأودية . وفي حديث زياد : بسلالة من ماء ثغب أي ما استخرج من ماء الثغب وسل منه . والسل والسل والسلال : الداء ، وفي التهذيب : داء يهزل ويضني ويقتل ; قال ابن أحمر :


                                                          أرانا لا يزال لنا حميم     كداء البطن سلا أو صفارا

                                                          وأنشد ابن قتيبة لعروة بن حزام فيه أيضا :


                                                          بي السل أو داء الهيام أصابني     فإياك عني ولا يكن بك ما بيا !

                                                          ومثله قول ابن أحمر :


                                                          بمنزلة لا يشتكي السل أهلها     وعيش كملس السابري رقيق

                                                          وفي الحديث : غبار ذيل المرأة الفاجرة يورث السل ; يريد أن من اتبع الفواجر وفجر ذهب ماله وافتقر ، فشبه خفة المال وذهابه بخفة الجسم وذهابه إذا سل ، وقد سل وأسله الله ، فهو مسلول ، شاذ على غير قياس ; قال سيبويه : كأنه وضع فيه السل ; قال محمد بن المكرم : رأيت حاشية في بعض الأصول على ترجمة أمم على ذكر قصي : قال قصي واسمه زيد كان يدعى مجمعا :


                                                          إني لدى الحرب رخي لببي     عند تناديهم بهال وهب
                                                          معتزم الصولة عال نسبي     أمهتي خندف والياس أبي

                                                          قال : هذا الرجز حجة لمن قال : إن الياس بن مضر الألف واللام فيه للتعريف ، فألفه ألف وصل ; قال المفضل بن سلمة وقد ذكر إلياس النبي ، عليه السلام : فأما الياس بن مضر فألفه ألف وصل واشتقاقه من اليأس وهو السل ; وأنشد بيت عروة بن حزام :


                                                          بي السل أو داء الهيام أصابني

                                                          [ ص: 240 ] وقال الزبير بن بكار : الياس بن مضر هو أول من مات من السل فسمي السل يأسا ، ومن قال إنه إلياس بن مضر بقطع الألف على لفظ النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أنشد بيت قصي :


                                                          أمهتي خندف والياس أبي

                                                          قال واشتقاقه من قوله رجل أليس أي شجاع ، والأليس : الذي لا يفر ولا يبرح ; وقد تليس أشد التليس ، وأسود ليس ولبوءة ليساء . والسلة : السرقة ، وقيل السرقة الخفية . وقد أسل يسل إسلالا أي سرق ، ويقال : في بني فلان سلة ، ويقال للسارق السلال . ويقال : الخلة تدعو إلى السلة . وسل الرجل وأسل إذا سرق ; وسل الشيء يسله سلا . وفي الكتاب الذي كتبه سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالحديبية حين وادع أهل مكة : وأن لا إغلال ولا إسلال ; قال أبو عمرو : الإسلال السرقة الخفية ; قال الجوهري : وهذا يحتمل الرشوة والسرقة جميعا . وسل البعير وغيره في جوف الليل إذا انتزعه من بين الإبل ، وهي السلة . وأسل إذا صار ذا سلة وإذا أعان غيره عليه . ويقال : الإسلال الغارة الظاهرة ، وقيل : سل السيوف . ويقال : في بني فلان سلة إذا كانوا يسرقون . والأسل : اللص . ابن السكيت : أسل الرجل إذا سرق ، والمسلل اللطيف الحيلة في السرق . ابن سيده : الإسلال الرشوة والسرقة . والسل والسلة كالجؤنة المطبقة ، والجمع سل وسلال . التهذيب : والسلة السبذة كالجؤنة المطبقة . قال أبو منصور : رأيت أعرابيا من أهل فيد يقول : لسبذة الطين السلة ، قال : وسلة الخبز معروفة ; قال ابن دريد : لا أحسب السلة عربية ، وقال أبو الحسن : سل عندي من الجمع العزيز لأنه مصنوع غير مخلوق ، وأن يكون من باب كوكب وكوكبة أولى ، لأن ذلك أكثر من باب سفينة وسفين . ورجل سل وامرأة سلة : ساقطا الأسنان ، وكذلك الشاة . وسلت تسل : ذهب أسنانها ; كل هذا عن اللحياني . ابن الأعرابي : السلة السل وهو المرض ; وفي ترجمة ظبظب قال رؤبة :


                                                          كأن بي سلا وما بي ظبظاب

                                                          قال ابن بري : في هذا البيت شاهد على صحة السل لأن الحريري قال في كتابه درة الغواص : إنه من غلط العامة ، وصوابه عند السلال ، ولم يصب في إنكاره السل لكثرة ما جاء في أشعار الفصحاء ، وذكره سيبويه أيضا في كتابه . والسلة : استلال السيوف عند القتال . والسلة : الناقة التي سقطت أسنانها من الهرم ، وقيل : هي الهرمة التي لم يبق لها سن . والسلة : ارتداد الربو في جوف الفرس من كبوة يكبوها ، فإذا انتفخ منه قيل أخرج سلته ، فيركض ركضا شديدا ويعرق ويلقى عليه الجلال فيخرج ذلك الربو ; قال المرار :


                                                          ألزا إذ خرجت سلته     وهلا تمسحه ما يستقر

                                                          الألز : الوثاب ، وسلة الفرس : دفعته من بين الخيل محضرا ، وقيل : سلته دفعته في سباقه . وفرس شديد السلة : وهي دفعته في سباقه . ويقال : خرجت سلة هذا الفرس على سائر الخيل . والمسلة ، بالكسر : واحدة المسال وهي الإبر العظام ، وفي المحكم : مخيط ضخم . والسلاءة : شوكة النخلة ، والجمع سلاء ; قال علقمة يصف ناقة أو فرسا :


                                                          سلاءة كعصا النهدي غل لها     ذو فيئة من نوى قران معجوم

                                                          والسلة : أن يخرز خرزتين في سلة واحدة . والسلة : العيب في الحوض أو الخابية ، وقيل : هي الفرجة بين نصائب الحوض ; وأنشد :


                                                          أسلة في حوضها أم انفجر

                                                          والسلة : شقوق في الأرض تسرق الماء . وسلول : فخذ من قيس بن هوازن ; الجوهري : وسلول قبيلة من هوازن وهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وسلول : اسم أمهم نسبوا إليها ، منهم عبد الله بن همام السلولي الشاعر . وسلان : موضع ; قال الشاعر :


                                                          لمن الديار بروضة السلان     فالرقمتين فجانب الصمان ؟

                                                          وسلى : اسم موضع بالأهواز كثير التمر ; قال :


                                                          كأن عذيرهم بجنوب سلى     نعام فاق في بلد قفار

                                                          قال ابن بري : وقال أبو المقدام بيهس بن صهيب :


                                                          بسلى وسلبرى مصارع فتية     كرام وعقرى من كميت ومن ورد

                                                          وسلى وسلبرى يقال لهما العاقول ، وهي مناذر الصغرى كانت بها وقعة بين المهلب والأزارقة ، قتل بها إمامهم عبيد الله بن بشير بن الماحوز المازني ، قال ابن بري : وسلى أيضا اسم الحارث بن رفاعة بن عذرة بن عدي بن عبد شمس ، وقيل شميس بن طرود بن قدامة بن جرم بن زبان بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ; قال الشاعر :


                                                          وما تركت سلى بهزان ذلة     ولكن أحاظ قسمت وجدود

                                                          قال ابن بري : حكى السيرافي عن ابن حبيب قال في قيس سلول بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن اسم رجل فيهم ، وفيهم يقول الشاعر :


                                                          وإنا أناس لا نرى القتل سبة     إذا ما رأته عامر وسلول

                                                          يريد عامر بن صعصعة ، وسلول بن مرة بن صعصعة ; قال : وفي قضاعة سلول بن زبان بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن القين بن الجرم بن قضاعة ، قال : وفي خزاعة سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة ، قال : وقال ابن قتيبة عبد الله بن همام هو من بني مرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة من قيس عيلان ، وبنو مرة يعرفون ببني سلول لأنها أمهم ، وهي بنت ذهل بن شيبان بن ثعلبة رهط أبي مريم السلولي ، وكانت له صحبة مع سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ; ورأيت في حاشية : وسلول جدة عبد الله بن أبي المنافق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية