الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1352 حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لجلسائه ما سمعتم في سكنى مكة فقال السائب بن يزيد سمعت العلاء أو قال العلاء بن الحضرمي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا ) ، وفي الرواية الأخرى : مكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا ، وفي رواية : للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكة كأنه يقول : لا يزيد عليها ) .

                                                                                                                معنى الحديث : أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عليهم استيطان مكة والإقامة بها ، [ ص: 481 ] ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرهما أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام ، ولا يزيدوا على الثلاثة ، واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أن إقامة ثلاثة ليس لها حكم الإقامة ، بل صاحبها في حكم المسافر . قالوا : فإذا نوى المسافر الإقامة في بلد ثلاثة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج ، جاز له الترخيص برخص السفر من القصر والفطر وغيرهما من رخصه ، ولا يصير له حكم المقيم ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : ( يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثة ) أي بعد رجوعه من منى ، كما قال في الرواية الأخرى : ( بعد الصدر ) أي الصدر من منى ، وهذا كله قبل طواف الوداع ، وفي هذا دلالة لأصح الوجهين عند أصحابنا أن طواف الوداع ليس من مناسك الحج ، بل هو عبادة مستقلة ، أمر بها من أراد الخروج من مكة ، لا أنه نسك من مناسك الحج ، ولهذا لا يؤمر به المكي ومن يقيم بها ، وموضع الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم : ( بعد قضاء نسكه ) . والمراد : قبل طواف الوداع كما ذكرنا ، فإن طواف الوداع لا إقامة بعده ، ومتى أقام بعده خرج عن كونه طواف الوداع ، فسماه قبله قاضيا لمناسكه . والله أعلم .

                                                                                                                قال القاضي عياض - رحمه الله - : في هذا الحديث حجة لمن منع المهاجر قبل الفتح من المقام بمكة بعد الفتح ، قال : وهو قول الجمهور ، وأجاز لهم جماعة بعد الفتح مع الاتفاق على وجوب الهجرة عليهم قبل الفتح ووجوب سكنى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساتهم له بأنفسهم ، وأما غير المهاجر ومن آمن بعد ذلك فيجوز له سكنى أي بلد أراد ، سواء مكة وغيرها بالاتفاق . هذا كلام القاضي .




                                                                                                                الخدمات العلمية