الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ سنح ]

                                                          سنح : السانح : ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك ، والبارح : ما أتاك من ذلك عن يسارك ؛ قال أبو عبيدة : سأل يونس رؤبة ، وأنا شاهد ، عن السانح والبارح ، فقال : السانح ما ولاك ميامنه ، والبارح ما ولاك مياسره ؛ وقيل : السانح الذي يجيء عن يمينك فتلي مياسره مياسرك ؛ قال أبو عمرو الشيباني : ما جاء عن يمينك إلى يسارك وهو إذا ولاك جانبه الأيسر وهو إنسيه ، فهو سانح ، وما جاء عن يسارك إلى يمينك وولاك جانبه الأيمن وهو وحشيه ، فهو بارح ؛ قال : السانح أحسن حالا عندهم في التيمن من البارح ؛ وأنشد لأبي ذؤيب :


                                                          أربت لإربته ، فانطلقت أرجي لحب اللقاء سنيحا

                                                          يريد : لا أتطير من سانح ولا بارح ؛ ويقال : أراد أتيمن به ؛ قال : وبعضهم يتشاءم بالسانح ؛ قال عمرو بن قميئة :


                                                          وأشأم طير الزاجرين سنيحها

                                                          وقال الأعشى :


                                                          أجارهما بشر من الموت بعدما     جرى لهما طير السنيح بأشأم

                                                          بشر هذا هو بشر بن عمرو بن مرثد ، وكان مع المنذر بن ماء السماء يتصيد ، وكان في يوم بؤسه الذي يقتل فيه أول من يلقاه ، وكان قد أتى في ذلك اليوم رجلان من بني عم بشر ، فأراد المنذر قتلهما ، فسأله بشر فيهما فوهبهما له ؛ قال رؤبة :


                                                          فكم جرى من سانح يسنح     وبارحات لم تحر تبرح
                                                          بطير تخبيب ولا تبرح

                                                          قال شمر : رواه ابن الأعرابي تسنح قال : والسنح اليمن والبركة ؛ وأنشد أبو زيد :


                                                          أقول والطير لنا سانح     يجري لنا أيمنه بالسعود

                                                          قال أبو مالك : السانح يتبرك به ، والبارح يتشاءم به ؛ وقد تشاءم زهير بالسانح ، فقال :


                                                          جرت سنحا فقلت لها أجيزي     نوى مشمولة فمتى اللقاء

                                                          مشمولة أي شاملة ، وقيل : مشمولة أخذ بها ذات الشمال . والسنح : الظباء الميامين . والسنح : الظباء المشائيم ؛ والعرب تختلف في العيافة ، فمنهم من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارح ؛ وأنشد الليث :


                                                          جرت لك فيها السانحات بأسعد

                                                          وفي المثل : من لي بالسانح بعد البارح . وسنح وسانح ، بمعنى ؛ وأورد بيت الأعشى :


                                                          جرت لهما طير السناح بأشأم



                                                          ومنهم من يخالف ذلك ، والجمع سوانح . والسنيح كالسانح ، قال :


                                                          جرى يوم رحنا عامدين لأرضها     سنيح فقال القوم مر سنيح

                                                          والجمع سنح ، قال :


                                                          أبالسنح الأيامن أم بنحس [ ص: 271 ]     تمر به البوارح حين تجري

                                                          قال ابن بري : العرب تختلف في العيافة ؛ يعني في التيمن بالسانح ، والتشاؤم بالبارح ، فأهل نجد يتيمنون بالسانح ، كقول ذي الرمة ، وهو نجدي :


                                                          خليلي لا لاقيتما ما حييتما     من الطير إلا السانحات وأسعدا

                                                          وقال النابغة ، وهو نجدي فتشاءم بالبارح :


                                                          زعم البوارح أن رحلتنا غدا     وبذاك تنعاب الغراب الأسود

                                                          وقال كثير وهو حجازي ممن يتشاءم بالسانح :


                                                          أقول إذا ما الطير مرت مخيفة     سوانحها تجري ولا أستثيرها

                                                          فهذا هو الأصل ، ثم قد يستعمل النجدي لغة الحجازي ؛ فمن ذلك قول عمرو بن قميئة ، وهو نجدي :


                                                          فبيني على طير سنيح نحوسه     وأشأم طير الزاجرين سنيحها

                                                          وسنح عليه يسنح وسنوحا وسنحا وسنحا ، وسنح لي الظبي يسنح سنوحا إذا مر من مياسرك إلى ميامنك ؛ حكى الأزهري قال : كانت في الجاهلية امرأة تقوم بسوق عكاظ فتنشد الأقوال وتضرب الأمثال وتخجل الرجال ؛ فانتدب لها رجل ، فقالت المرأة ما قالت ، فأجابها الرجل :


                                                          أسكتاك جامح ورامح     كالظبيتين سانح وبارح

                                                          فخجلت وهربت . وسنح لي رأي وشعر يسنح : عرض لي أو تيسر ؛ وفي حديث عائشة واعتراضها بين يديه في الصلاة ، قالت : أكره أن أسنحه أي أكره أن أستقبله بيدي في صلاته ، من سنح لي الشيء إذا عرض . وفي حديث أبي بكر قال لأسامة : أغر عليهم غارة سنحاء ، من سنح له الرأي إذا اعترضه ؛ قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية ، والمعروف سحاء ، وقد ذكر في موضعه ؛ ابن السكيت : يقال : سنح له سانح فسنحه عما أراد أي رده وصرفه . وسنح بالرجل وعليه : أخرجه أو أصابه بشر . وسنحت بكذا أي عرضت ولحنت ؛ قال سوار بن المضرب :


                                                          وحاجة دون أخرى قد سنحت لها     جعلتها للتي أخفيت عنوانا

                                                          والسنيح : الخيط الذي ينظم فيه الدر قبل أن ينظم فيه الدر ، فإذا نظم ، فهو عقد ، وجمعه سنح . اللحياني : خل عن سنح الطريق ، وسجع الطريق ، بمعنى واحد ؛ الأزهري : وقال بعضهم : السنيح الدر والحلي ؛ قال أبو داود يذكر نساء :


                                                          وتغالين بالسنيح ولا يس     ألن غب الصباح ما الأخبار

                                                          وفي النوادر : يقال : استسنحته عن كذا وتسنحته واستنحسته عن كذا وتنحسته ، بمعنى استفحصته . ابن الأثير : وفي حديث علي :


                                                          سنحنح الليل كأني جني

                                                          أي لا أنام الليل أبدا فأنا متيقظ ، ويروى سمعمع ، وسيأتي ذكره في موضعه ؛ وفي حديث أبي بكر : كان منزله بالسنح ، بضم السين ، قيل : هو موضع بعوالي المدينة ، فيه منازل بني الحارث بن الخزرج ، وقد سمت سنيحا وسنحانا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية