الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4819 ) مسألة ; قال : ( فإن كن بنات وبنات ابن ، فللبنات الثلثان ، وليس لبنات الابن شيء ، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ) أجمع أهل العلم على أن فرض الابنتين الثلثان ، إلا رواية شاذة عن ابن عباس ، أن فرضهما النصف ; لقول الله تعالى : { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } . فمفهومه أن ما دون الثلاث ليس لهما الثلثان . والصحيح قول الجماعة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخي سعد بن الربيع : " أعط ابنتي سعد الثلثين " وقال الله تعالى في الأخوات : { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } . وهذا تنبيه على أن للبنتين الثلثين ; لأنهما أقرب ، ولأن كل من يرث الواحد منهم النصف فللاثنتين منهم الثلثان ، كالأخوات من الأبوين ، والأخوات من الأب ، وكل عدد يختلف فرض واحدهم وجماعتهم فللاثنين منهم مثل فرض الجماعة ، كولد الأم ، والأخوات من الأبوين ، أو من الأب ، فأما الثلاث من البنات فما زاد ، فلا خلاف في أن فرضهن الثلثان ، وأنه ثابت بقول الله تعالى : { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } . واختلف فيما ثبت به فرض الابنتين ، فقيل : ثبت بهذه الآية ، والتقدير ، فإن كن نساء اثنتين ، وفوق صلة ، كقوله : { فاضربوا فوق الأعناق } . أي اضربوا الأعناق . وقد دل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية ، أرسل إلى أخي سعد بن الربيع : " أعط ابنتي سعد الثلثين " . وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تفسير للآية ، وبيان لمعناها ، واللفظ إذا فسر كان الحكم ثابتا بالمفسر لا بالتفسير . ويدل على ذلك أيضا أن سبب نزول الآية قصة بنتي سعد بن الربيع ، وسؤال أمهما عن شأنهما في ميراث أبيهما . وقيل : بل ثبت بهذه السنة الثابتة . وقيل : بل ثبت بالتنبيه الذي ذكرناه . وقيل : بل ثبت بالإجماع . وقيل : بالقياس . وفي الجملة فهذا حكم قد أجمع عليه ، وتواردت عليه الأدلة التي ذكرناها كلها ، فلا يضرنا أيها أثبته . وأجمع أهل العلم على أن بنات الصلب متى استكملن الثلثين ، سقط بنات الابن ، ما لم يكن بإزائهن ، أو أسفل منهن ذكر يعصبهن ; وذلك لأن الله تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين ، قليلات كن أو كثيرات ، وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد ، وقد ذهب الثلثان لولد الصلب ، فلم يبق لهن شيء ، ولا يمكن أن يشاركن بنات الصلب ; لأنهن دون درجتهن ، فإن كان مع بنات الابن ابن في درجتهن ، كأخيهن ، أو ابن عمهن ، أو أنزل منهن كابن أخيهن ، أو ابن ابن عمهن ، أو ابن ابن ابن عمهن ، عصبهن في الباقي ، فجعل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . وهذا قول عامة العلماء . يروى ذلك عن علي ، وزيد ، وعائشة رضي الله عنهم . [ ص: 166 ] وبه قال مالك ، والثوري ، والشافعي رضي الله عنهم وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وبه قال سائر الفقهاء إلا ابن مسعود ومن تبعه ; فإنه خالف الصحابة في ست مسائل من الفرائض ، هذه إحداهن ، فجعل الباقي للذكر دون أخواته . وهو قول أبي ثور ; لأن النساء من الأولاد لا يرثن أكثر من الثلثين ; بدليل ما لو انفردن ، وتوريثهن هاهنا يفضي إلى توريثهن أكثر من ذلك . ولنا ، قول الله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } . وهؤلاء يدخلون في عموم هذا اللفظ ; بدليل تناوله لهم لو لم يكن بنات . وعدم البنات لا يوجب لهم هذا الاسم . ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض ، يجب أن يقتسما الفاضل عنه ، كأولاد الصلب ، والإخوة مع الأخوات وما ذكروه فهو في الاستحقاق للفرض . فأما في مسألتنا فإنما يستحقون بالتعصيب ، فكان معتبرا بأولاد الصلب ، والإخوة والأخوات ثم ، ويبطل ما ذكروه بما إذا خلف ابنا وست بنات ، فإنهن يأخذن ثلاثة أرباع المال . وإن كن ثمانيا ، أخذن أربعة أخماسه . وإن كن عشرا ، أخذن خمسة أسداسه . وكلما زدن في العدد ، زاد استحقاقهن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية