الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            قال : ( 4831 ) مسألة ( وإذا كان زوج وأم وإخوة من أم وإخوة لأب وأم ، فللزوج النصف ، وللأم السدس ، وللأخوة من الأم الثلث ، وسقط الإخوة من الأب والأم ) . هذه المسألة تسمى المشركة ، وكذلك كل مسألة اجتمع فيها زوج وأم أو جدة واثنان فصاعدا من ولد الأم وعصبة من ولد الأبوين . وإنما سميت المشركة ; لأن بعض أهل العلم شرك فيها بين ولد الأبوين وولد الأم في فرض ولد الأم ، فقسمه بينهم بالسوية ، وتسمى الحمارية ; لأنه يروى أن عمر رضي الله عنه أسقط ولد الأبوين ، فقال بعضهم : يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحدة ؟ فشرك بينهم . ويقال : إن بعض الصحابة قال ذلك فسميت الحمارية لذلك . واختلف أهل العلم فيها قديما وحديثا ، فذهب أحمد رضي الله عنه فيها إلى أن للزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإخوة من الأم الثلث ، وسقط الإخوة من الأبوين ; لأنهم عصبة وقد تم المال بالفروض . ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن عباس ، وأبي موسى رضي الله عنهم . وبه قال الشعبي ، والعنبري ، وشريك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه رضي الله عنهم ويحيى بن آدم ، ونعيم بن حماد ، وأبو ثور ، وابن المنذر وروي عن عمر ، وعثمان ، وزيد بن ثابت ، رضي الله عنهم ، أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث ، فقسموه بينهم بالسوية ، للذكر مثل حظ الأنثيين . وبه قال مالك ، والشافعي رضي الله عنهما ، وإسحاق ; لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها ، فوجب أن يساووهم في الميراث ; فإنهم جميعا من ولد الأم ، وقرابتهم من جهة الأب إن لم تزدهم قربا واستحقاقا فلا ينبغي أن تسقطهم ; ولهذا قال بعض الصحابة وبعض ولد الأبوين لعمر وقد أسقطهم : هب أن أباهم كان حمارا ، فما زادهم ذلك إلا قربا فشرك بينهم . وحرر بعض أصحاب الشافعي فيها قياسا ، فقال : فريضته جمعت ولد الأب والأم وولد الأم ، وهم من أهل الميراث فإذا ورث ولد الأم ، وجب أن يرث ولد الأب والأم ، كما لو لم يكن فيها زوج . ولنا ، قول الله تعالى : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس [ ص: 173 ] فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } . ولا خلاف في أن المراد بهذه الآية ولد الأم على الخصوص ، فمن شرك بينهم فلم يعط كل واحد منهما السدس ، فهو مخالفة لظاهر القرآن ، ويلزم منه مخالفة ظاهر الآية الأخرى ، وهي قوله : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } . يراد بهذه الآية سائر الإخوة والأخوات ، وهم يسوون بين ذكرهم وأنثاهم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ألحقوا الفرائض ، بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر } . ومن شرك فلم يلحق الفرائض بأهلها ، ومن جهة المعنى أن ولد الأبوين عصبة لا فرض لهم ، وقد تم المال بالفروض ، فوجب أن يسقطوا ، كما لو كان مكان ولد الأم ابنتان . وقد انعقد الإجماع على أنه لو كان في هذه المسألة واحد من ولد الأم ، ومائة من ولد الأبوين ، لكان للواحد السدس ، وللمائة السدس الباقي ، لكل واحد عشر عشره ، وإذا جاز أن يفضلهم الواحد هذا الفضل كله ، لم لا يجوز لاثنين إسقاطهم ؟ وقولهم : تساووا في قرابة الأم . قلنا : فلم لم يساووهم في الميراث في هذه المسألة ؟ وعلى أنا نقول : إن ساووهم في قرابة الأم فقد فارقوهم في كونهم عصبة من غير ذوي الفروض . وهذا الذي افترقوا فيه هو المقتضي لتقديم ولد الأم ، وتأخير ولد الأبوين . فإن الشرع ورد بتقديم ذوي الفروض ، وتأخير العصبة ، ولذلك يقدم ولد الأم على ولد الأبوين في القدر في المسألة المذكورة وشبهها ، فكذلك يقدم وإن سقط ولد الأبوين كغيره ، ويلزمهم أن يقولوا في زوج وأخت من أبوين وأخت من أب معها أخوها ، إن الأخ يسقط وحده ، فترث أخته السبع ; لأن قرابتها مع وجوده كقرابتها مع عدمه ، وهو لم يحجبها ، فهلا عدوه حمارا ، وورثوها مع وجوده كميراثها مع عدمه ؟ وما ذكروه من القياس طردي لا معنى تحته ، قال العنبري : القياس ما قال علي ، والاستحسان ما قال عمر . قال الخبري : وهذه وساطة مليحة ، وعبارة صحيحة ، وهو كما قال ، إلا أن الاستحسان المجرد ليس بحجة في الشرع ، فإنه وضع للشرع بالرأي من غير دليل ، ولا يجوز الحكم به لو انفرد عن المعارض ، فكيف وهو في مسألتنا يخالف ظاهر القرآن والسنة والقياس ومن العجب ذهاب الشافعي إليه هاهنا ، مع تخطئته الذاهبين إليه في غير هذا الموضع ، وقوله : من استحسن فقد شرع . وموافقته الكتاب والسنة أولى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية