الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الصيد .

وهذا الكتاب في أصوله أيضا أربعة أبواب :

الباب الأول : في حكم الصيد ، وفي محل الصيد .

الثاني : فيما به يكون الصيد .

الثالث : في صفة ذكاة الصيد ، والشرائط المشترطة في عمل الذكاة في الصيد .

الرابع : فيمن يجوز صيده .

الباب الأول في حكم الصيد ومحله .

- فأما حكم الصيد : فالجمهور على أنه مباح لقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ثم قال : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) . واتفق العلماء على أن الأمر بالصيد في هذه الآية بعد النهي يدل على الإباحة ، كما اتفقوا على ذلك في قوله تعالى : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) . أعني : أن المقصود به الإباحة ، لوقوع الأمر به بعد النهي ، وإن كان اختلفوا هل الأمر بعد النهي يقتضي الإباحة أو لا يقتضيه وإنما يقتضي على أصله الوجوب ؟ .

وكره مالك الصيد الذي يقصد به السرف ، وللمتأخرين من أصحابه فيه تفصيل ، محصول قولهم فيه : أن منه ما هو في حق بعض الناس واجب ، وفي حق بعضهم حرام ، وفي حق بعضهم مندوب ، وفي حق [ ص: 374 ] بعضهم مكروه . وهذا النظر في الشرع تغلغل في القياس وبعد عن الأصول المنطوق بها في الشرع ، فليس يليق بكتابنا هذا ، إذ كان قصدنا فيه إنما هو ذكر المنطوق به من الشرع ، أو ما كان قريبا من المنطوق به .

وأما محل الصيد : فإنهم أجمعوا على أن محله من الحيوان البحري : وهو السمك وأصنافه ، ومن الحيوان البري : الحلال الأكل الغير مستأنس .

واختلفوا فيما استوحش من الحيوان المستأنس فلم يقدر على أخذه ولا ذبحه أو نحره ، فقال مالك : لا يؤكل إلا أن ينحر من ذلك ما ذكاته النحر ، ويذبح ما ذكاته الذبح ، أو يفعل به أحدهما إن كان مما يجوز فيه الأمران جميعا . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إذا لم يقدر على ذكاة البعير الشارد فإنه يقتل كالصيد .

وسبب اختلافهم : معارضة الأصل في ذلك للخبر ، وذلك أن الأصل في هذا الباب : هو أن الحيوان الإنسي لا يؤكل إلا بالذبح أو النحر ، وأن الوحشي يؤكل بالعقر .

وأما الخبر المعارض لهذه الأصول : فحديث رافع بن خديج وفيه : قال : " فند منها بعير ، وكان في القوم خيل يسيرة ، فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم ، فحبسه الله تعالى به ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش ، فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا " . والقول بهذا الحديث أولى لصحته ، لأنه لا ينبغي أن يكون هذا مستثنى من ذلك الأصل ، مع أن لقائل أن يقول : إنه جار مجرى الأصل في هذا الباب ، وذلك أن العلة في كون العقر ذكاة في بعض الحيوان ليس شيئا أكثر من عدم القدرة عليه ، لا لأنه وحشي فقط ، فإذا وجد هذا المعنى من الإنسي جاز أن تكون ذكاته ذكاة الوحشي ، فيتفق القياس والسماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية