الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أثم ]

                                                          أثم : الإثم : الذنب ، وقيل : هو أن يعمل ما لا يحل له . وفي التنزيل العزيز : والإثم والبغي بغير الحق وقوله عز وجل : فإن عثر على أنهما استحقا إثما أي : ما أثم فيه . قال الفارسي : سماه بالمصدر كما جعل سيبويه المظلمة اسم ما أخذ منك ، وقد أثم يأثم ، قال :


                                                          لو قلت ما في قومها لم تيثم



                                                          أراد ما في قومها أحد يفضلها . وفي حديث سعيد بن زيد : ولو شهدت على العاشر لم إيثم ؛ هي لغة لبعض العرب في آثم ، وذلك أنهم يكسرون حرف المضارعة في نحو نعلم وتعلم ، فلما كسروا الهمزة في إأثم انقلبت الهمزة الأصلية ياء . وتأثم الرجل : تاب من الإثم واستغفر منه ، وهو على السلب كأنه سلب ذاته الإثم بالتوبة والاستغفار أو رام ذلك بهما . وفي حديث معاذ : فأخبر بها عند موته تأثما ؛ أي : تجنبا للإثم ؛ يقال : تأثم فلان إذا فعل فعلا خرج به من الإثم ، كما يقال تحرج إذا فعل ما يخرج به عن الحرج ؛ ومنه حديث الحسن : ما علمنا أحدا منهم ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثما ، وقوله تعالى : فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما قال ثعلب : كانوا إذا قامروا فقمروا أطعموا منه وتصدقوا ، فالإطعام والصدقة منفعة ، والإثم القمار ، وهو أن يهلك الرجل ويذهب ماله ، وجمع الإثم آثام ، لا يكسر على غير ذلك .

                                                          وأثم فلان ، بالكسر ، يأثم إثما ومأثما ؛ أي : وقع في الإثم ، فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا . وأثمه الله في كذا يأثمه ويأثمه ؛ أي : عده عليه إثما ، فهو مأثوم . ابن سيده : أثمه الله يأثمه عاقبه بالإثم ؛ وقال الفراء : أثمه الله يأثمه إثما وأثاما إذا جازاه جزاء الإثم ، فالعبد مأثوم ؛ أي : مجزي جزاء إثمه ، وأنشد الفراء لنصيب الأسود ؛ قال ابن بري : وليس بنصيب الأسود المرواني ولا بنصيب الأبيض الهاشمي :


                                                          وهل يأثمني الله في أن ذكرتها     وعللت أصحابي بها ليلة النفر ؟



                                                          ورأيت هنا حاشية صورتها : لم يقل ابن السيرافي إن الشعر لنصيب المرواني ، وإنما الشعر لنصيب بن رباح الأسود الحبكي ، مولى بني الحبيك بن عبد مناة بن كنانة ، يعني هل يجزيني الله جزاء إثمي بأن ذكرت هذه المرأة في غنائي ، ويروى بكسر الثاء وضمها ، وقال في الحاشية المذكورة : قال أبو محمد السيرافي : كثير من الناس يغلط في هذا البيت ، يرويه النفر ، بفتح الفاء وسكون الراء ، قال : وليس كذلك ، وقيل : هذا البيت من القصيد التي فيها :


                                                          أما والذي نادى من الطور عبده     وعلم آيات الذبائح والنحر
                                                          لقد زادني للجفر حبا وأهله     ليال أقامتهن ليلى على الجفر
                                                          وهل يأثمني الله في أن ذكرتها     وعللت أصحابي بها ليلة النفر ؟
                                                          وطيرت ما بي من نعاس ومن كرى     وما بالمطايا من كلال ومن فتر



                                                          والأثام : جزاء الإثم . وفي التنزيل العزيز : يلق أثاما أراد مجازاة الأثام يعني العقوبة . والأثام والإثام : عقوبة الإثم ؛ الأخيرة عن ثعلب . وسأل محمد بن سلام يونس عن قوله عز وجل : يلق أثاما قال : عقوبة ؛ وأنشد قول بشر :


                                                          وكان مقامنا ندعو عليهم     بأبطح ذي المجاز له أثام



                                                          ، قال أبو إسحاق : تأويل الأثام المجازاة . وقال أبو عمرو الشيباني : لقي فلان أثام ذلك أي : جزاء ذلك ، فإن الخليل وسيبويه يذهبان إلى أن معناه يلق جزاء الأثام ؛ وقول شافع الليثي في ذلك :


                                                          جزى الله ابن عروة حيث أمسى     عقوقا ، والعقوق له أثام



                                                          أي : عقوبة مجازاة العقوق ، وهي قطيعة الرحم . وقال الليث : الأثام في جملة التفسير عقوبة الإثم ، وقيل في قوله تعالى : يلق أثاما قيل : هو واد في جهنم ؛ قال ابن سيده : والصواب عندي أن معناه يلق عقاب الأثام . وفي الحديث : من عض على شبذعه سلم من الأثام ؛ الأثام ، بالفتح : الإثم . يقال : أثم يأثم أثاما ، وقيل : هو جزاء الإثم ، وشبذعه لسانه . وآثمه ، بالمد : أوقعه في الإثم ؛ عن الزجاج ؛ وقال العجاج :


                                                          بل قلت بعض القوم غير مؤثم



                                                          وأثمه ، بالتشديد : قال له أثمت . وتأثم : تحرج من الإثم وكف عنه ، وهو على السلب ، كما أن تحرج على السلب أيضا ؛ قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :


                                                          تجنبت هجران الحبيب تأثما     إلا إن هجران الحبيب هو الإثم



                                                          [ ص: 57 ] ورجل أثام من قوم آثمين ، وأثيم من قوم أثماء . وقوله عز وجل : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم قال الفراء : الأثيم الفاجر ، وقال الزجاج : عني به هنا أبو جهل بن هشام ، وأثوم من قوم أثم ؛ التهذيب : الأثيم في هذه الآية بمعنى الآثم . يقال : آثمه الله يؤثمه ، على أفعله ؛ أي : جعله آثما وألفاه آثما . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أنه كان يلقن رجلا إن شجرة الزقوم طعام الأثيم وهو فعيل من الإثم . والمأثم : الأثام ، وجمعه المآثم . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ؛ المأثم : الأمر الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه ، وضعا للمصدر موضع الاسم . وقوله تعالى : لا لغو فيها ولا تأثيم يجوز أن يكون مصدر أثم ، قال ابن سيده : ولم أسمع به ، قال : ويجوز أن يكون اسما كما ذهب إليه سيبويه في التنبيت والتمتين ؛ وقال أمية بن أبي الصلت :


                                                          فلا لغو ولا تأثيم فيها     وما فاهوا به لهم مقيم



                                                          والإثم عند بعضهم : الخمر ، قال الشاعر :


                                                          شربت الإثم حتى ضل عقلي     كذاك الإثم تذهب بالعقول



                                                          ، قال ابن سيده : وعندي أنه إنما سماها إثما لأن شربها إثم ، قال : وقال رجل في مجلس أبي العباس :


                                                          نشرب الإثم بالصواع جهارا     وترى المسك بيننا مستعارا



                                                          أي : نتعاوره بأيدينا نشتمه ، قال : والصواع الطرجهالة ، ويقال : هو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه ، ويقال : هو إناء كان يشرب فيه الملك . قال أبو بكر : وليس الإثم من أسماء الخمر بمعروف ، ولم يصح فيه ثبت صحيح . وأثمت الناقة المشي تأثمه إثما : أبطأت ؛ وهو معنى قول الأعشى :


                                                          جمالية تغتلي بالرداف     إذا كذب الآثمات الهجيرا



                                                          يقال : ناقة آثمة ونوق آثمات ؛ أي : مبطئات . قال ابن بري : قال ابن خالويه كذب هاهنا خفيفة الذال ، قال : وحقها أن تكون مشددة ، قال : ولم تجئ مخففة إلا في هذا البيت ، قال : والآثمات اللاتي يظن أنهن يقوين على الهواجر ، فإذا أخلفنه فكأنهن أثمن .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية