الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال صاحب " المنازل " :

باب المراد . قال الله تعالى : وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المريد والمراد اثنين . وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد وإنما أشاروا باسم المراد إلى الضنائن الذين ورد فيهم الخبر .

قلت : وجه استشهاده بالآية : أن الله سبحانه ألقى إلى رسوله كتابه ، وخصه بكرامته . وأهله لرسالته ونبوته . من غير أن يكون ذلك منه على رجاء ، أو ناله بكسب ، أو توسل إليه بعمل ، بل هو أمر أريد به . فهو المراد حقيقة .

وقوله : إن أكثرهم جعلوا المريد والمراد اثنين فهو تعرض إلى أن منهم من اكتفى عن ذكر مقام المراد بمنزلة الإرادة لأن صاحبها مريد مراد .

وأما إشارتهم إلى الضنائن

[ ص: 424 ] فالمراد به : حديث يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إن لله ضنائن من خلقه . يحييهم في عافية . ويميتهم في عافية .

والضنائن : الخصائص . يقال : هو ضنتي من بين الناس - بكسر الضاد - أي الذي أختص به وأضن بجودته ، أي أبخل بها أن أضيعها .

وقد مثل للمريد والمراد بقوم بعث إليهم سلطانهم يستدعيهم إلى حضرته من بلاد نائية ، وأرسل إليهم بالأدلة والأموال ، والمراكب وأنواع الزاد . وأمرهم بأن يتجشموا إليه قطع السبل والمفاوز . وأن يجتهدوا في المسير حتى يلحقوا به . وبعث خيلا له ومماليك إلى طائفة منهم . فقال : احملوهم على هذه الخيل التي تسبق الركاب . واخدموهم في طريقهم . ولا تدعوهم يعانون مؤنة الشد والربط ، بل إذا نزلوا فأريحوهم . ثم احملوهم حتى تقدموهم علي .

فلم يجد هؤلاء من مجاهدة السير ، ومكابدته ، ووعثاء السفر ما وجده غيرهم .

ومن الناس من يقول : المريد ينتقل من منزلة الإرادة إلى أن يصير مرادا فكان محبا . فصار محبوبا . فكل مريد صادق نهاية أمره أن يكون مرادا . وأكثرهم على هذا .

و صاحب " المنازل " كأن عنده المراد هو المجذوب ، والمريد هو السالك على طريق الجادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية