الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        أعمال الحج يوم النحر أربعة كما سبق ، وهي : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق ، والطواف ، وهذا يسمى : طواف الإفاضة ، والزيارة ، والركن ، وقد يسمى أيضا : طواف الصدر ، والأشهر : أن طواف الصدر طواف الوداع . وترتيب الأربعة على ما ذكرناه ليس بواجب ، بل مسنون . فلو طاف قبل أن يرمي ، أو ذبح في وقته قبل أن يرمي ، فلا بأس ، ولا فدية . ولو حلق قبل الرمي والطواف . فإن قلنا : الحلق استباحة محظور ، لزمه الفدية ، وإلا فلا على الصحيح . وإذا أتى بالطواف قبل الرمي ، أو بالحلق ، وقلنا : نسك ، قطع التلبية [ ص: 103 ] بشروعه فيه ؛ لأنه أخذ في أسباب التحلل . وكذا المعتمر يقطع التلبية بأخذه في الطواف . ويستحب في هذه الأعمال : أن يرمي بعد طلوع الشمس ، ثم يأتي بباقيها ، فيقطع الطواف في ضحوة ، ويدخل وقت جميعها بانتصاف ليلة النحر . ومتى يخرج ؟ أما الرمي : فيمتد إلى غروب الشمس يوم النحر . وهل يمتد تلك الليلة ؟ فيه وجهان . أصحهما : لا . وأما الذبح ، فالهدي لا يختص بزمن ، لكن يختص بالحرم . بخلاف الضحايا ، فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق ، ولا تختص بالحرم .

                                                                                                                                                                        قلت : كذا جزم الإمام الرافعي هنا : بأن الهدايا لا تختص بزمن . والصحيح : أنها كالأضحية ، تختص بالعيد والتشريق . وقد ذكره هو على الصواب في باب الهدي ، وسيأتي بيانه فيه إن شاء الله تعالى قريبا . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وأما الحلق والطواف ، فلا يتوقت أحدهما لكن ينبغي أن يطوف قبل خروجه من مكة . فإن طاف للوداع وخرج [ وقع ] عن طواف الإفاضة ، وإن خرج ولم يطف أصلا ، لم تحل له النساء وإن طال الزمان . ثم مقتضى كلام الأصحاب : لا يتوقت آخر الطواف ، وأنه لا يصير قضاء . وفي " التتمة " : أنه إذا تأخر عن أيام التشريق ، صار قضاء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        للحج تحللان ، وللعمرة تحلل واحد . قال الأصحاب : لأن الحج يطول زمنه ، وتكثر أعماله . بخلاف العمرة ، فأبيح بعض محرماته في وقت ، وبعضها في وقت . ثم أسباب تحلل الحج : الرمي ، والطواف ، والحلق إن قلنا : هو نسك ، وإلا فالرمي والطواف . إن قلنا : ليس بنسك ، حصل التحلل الأول بأحدهما ، والتحلل الثاني بالآخر ، وإلا حصل التحلل الأول باثنين من الثلاثة ، إما الرمي [ ص: 104 ] والحلق ، وإما الحلق والطواف ، وإما الرمي والطواف ، وحصل التحلل الثاني بالثالث . ولا بد من السعي مع الطواف وإن لم يكن سعى . هذا الذي ذكرنا ، هو المذهب المعروف الذي قطع به معظم الأصحاب . وفي وجه للإصطخري : دخول وقت الرمي كالرمي في حصول التحلل . ووجه للداركي : أنا إن جعلنا الحلق نسكا ، حصل التحللان جميعا بالحلق مع الطواف ، أو بالطواف والرمي ، ولا يحصل بالرمي والحلق إلا أحدهما . ووجه : أنه يحصل التحلل الأول بالرمي فقط ، أو الطواف فقط ، وإن قلنا : الحلق نسك . ولو فاته الرمي ، فهل يتوقف تحلله على الإتيان ببدله ؟ فيه ثلاثة أوجه . أصحها : نعم . والثالث : إن افتدى بالدم توقف . وإن افتدى بالصوم ، فلا لطول زمنه .

                                                                                                                                                                        وأما العمرة : فتحللها بالطواف والسعي ، ويضم إليهما الحلق إن قلنا : نسك . ويحل بالتحلل الأول في الحج : اللبس ، والقلم ، وستر الرأس ، والحلق إن لم نجعله نسكا . ولا يحل الجماع إلا بالتحللين بلا خلاف . والمستحب : أن لا يطأ حتى يرمي في أيام التشريق ، وفي عقد النكاح ، والمباشرة فيما سوى الفرج ، كالقبلة ، والملامسة قولان . أظهرهما عند الأكثرين : لا يحل إلا بالتحللين ، وأظهرهما عند صاحب " المهذب " وطائفة : يحل بالأول ، ويحل الصيد بالأول على الأظهر باتفاقهم . والمذهب : حل الطيب بالأول ، بل هو مستحب بين التحللين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية