الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 414 ] سورة ق .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( ق والقرآن المجيد ( 1 ) بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ( 2 ) أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ( 3 ) ) .

من قال : ( ق ) قسم ؛ جعل الواو في ( والقرآن ) عاطفة ، ومن قال غير ذلك كانت واو القسم ، وجواب القسم محذوف . قيل : هو قوله : ( قد علمنا . . . ( 4 ) ) أي لقد ، وحذفت اللام لطول الكلام .

وقيل : هو محذوف تقديره : لتبعثن ، أو لترجعن ، على ما دل عليه سياق الآيات .

و ( بل ) : للخروج من قصة إلى قصة . و ( إذا ) : منصوبة بما دل عليه الجواب ؛ أي نرجع .

قال تعالى : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( 6 ) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ( 7 ) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( فوقهم ) : هو حال من السماء ، أو ظرف لينظروا .

و ( الأرض ) : معطوف على موضع السماء ؛ أي ويروا الأرض ؛ فـ " مددناها " على هذا حال .

ويجوز أن ينتصب على تقدير : ومددنا الأرض .

و ( تبصرة ) : مفعول له ، أو حال من المفعول ؛ أي ذات تبصير ؛ أو مصدر ؛ أي بصرناهم تبصرة . ( وذكرى ) : كذلك .

قال تعالى : ( ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد ( 9 ) والنخل باسقات لها طلع نضيد ( 10 ) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( وحب الحصيد ) : أي وحب النبت المحصود ، وحذف الموصوف . وقال الفراء : هو في تقدير صفة الأول ؛ أي والحب الحصيد ؛ وهذا بعيد لما فيه من إضافة الشيء إلى نفسه ، ومثله : ( حبل الوريد ) [ ق : 16 ] أي حبل العرق الوريد ؛ وهو فعيل بمعنى فاعل ؛ أي وارد ، أو بمعنى مورود فيه .

( والنخل ) معطوف على الحب . و ( باسقات ) : حال . و ( لها طلع ) : حال أيضا . ونضيد بمعنى منضود و ( رزقا ) : مفعول له ، أو واقع موقع المصدر . و ( به ) أي بالماء .

[ ص: 415 ] قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( ونعلم ) : أي ونحن نعلم ، فالجملة حال مقدرة . ويجوز أن يكون مستأنفا .

قال تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ( 17 ) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( 18 ) ) .

قوله تعالى ( إذ يتلقى ) : يجوز أن يكون ظرفا لأقرب ، وأن يكون التقدير : اذكر .

و ( قعيد ) : مبتدأ ، و " عن الشمال " خبره ، ودل " قعيد " هذا على " قعيد " الأول ؛ أي عن اليمين قعيد .

وقيل : " قعيد " المذكور الأول ، والثاني : محذوف .

وقيل : لا حذف ، وقعيد بمعنى قعيدان ، وأغنى الواحد عن الاثنين ، وقد سبقت له نظائر . و ( رقيب عتيد ) : واحد في اللفظ ، والمعنى : رقيبان عتيدان .

قال تعالى : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 ) ) .

قوله تعالى : ( بالحق ) : هو حال ، أو مفعول به .

قال تعالى : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( 21 ) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( معها سائق ) : الجملة صفة لنفس ، أو كل ، أو حال من كل ؛ وجاز لما فيه من العموم ، والتقدير : يقال له : لقد كنت ، وذكر على المعنى .

قال تعالى : ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ( 23 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا ) : مبتدأ ، وفي " ما " وجهان : أحدهما : هي نكرة ، و " عتيد " صفتها . و " لدي " معمول عتيد .

ويجوز أن يكون " لدي " صفة أيضا ، فيتعلق بمحذوف ، و " ما " وصفتها خبر هذا .

والوجه الثاني : أن تكون " ما " بمعنى الذي ، فعلى هذا تكون " ما " مبتدأ ، و " لدي " صلة ، و " عتيد " خبر " ما " والجملة خبر " هذا " . ويجوز أن تكون " ما " بدلا من هذا .

ويجوز أن يكون " عتيد " خبر مبتدأ محذوف ، ويكون " ما لدي " خبرا عن " هذا " أي هو عتيد ، ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال .

قال تعالى : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ( 24 ) ) .

[ ص: 416 ] قوله تعالى : ( ألقيا ) أي يقال ذلك ، وفي لفظ التثنية هنا أوجه ؛ أحدها : أنه خطاب الملكين . والثاني : هو لواحد ، والألف عوض من تكرير الفعل ؛ أي ألق ألق .

والثالث : هو لواحد ؛ ولكن خرج على لفظ التثنية على عادتهم ، كقولهم خليلي عوجا ، وخليلي مرا بي ؛ وذلك أن الغالب من حال الواحد منهم أن يصحبه في السفر اثنان . والرابع : أن من العرب من يخاطب الواحد بخطاب الاثنين ، كقول الشاعر :


فإن تزجراني يا بن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

والخامس : أن الألف بدل من النون الخفيفة ، وأجري الوصل مجرى الوقف .

قال تعالى : ( مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( مريب الذي ) : الجمهور على كسر التنوين . وقرئ بفتحها فرارا من الكسرات والياء .

قال تعالى : ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ( 31 ) هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ( 32 ) ) .

( غير بعيد ) : أي مكانا غير بعيد .

ويجوز أن يكون حالا من الجنة ، ولم يؤنث ؛ لأن الجنة والبستان والمنزل متقاربات .

و ( هذا ما توعدون ) : التقدير : يقال لهم : " هذا . . . " والياء في " توعدون " على الغيبة ؛ والتاء على الرجوع إلى الخطاب .

قال تعالى : ( من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ( 33 ) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ( 34 ) ) .

قوله تعالى : ( من خشي ) : في موضع رفع ؛ أي هم من خشي ، أو في موضع جر بدلا من " المتقين " أو من " كل أواب " أو في موضع نصب ؛ أي أعني من خشي .

وقيل : " من " : مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : يقال لهم ادخلوها .

و ( بسلام ) : حال . قوله تعالى : ( ذلك ) أي زمن ذلك " يوم الخلود " .

قال تعالى : ( لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد ( 35 ) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص ( 36 ) ) .

[ ص: 417 ] قوله تعالى : ( فيها ) : يجوز أن يتعلق بيشاءون ؛ وأن يكون حالا من " ما " أو من العائد المحذوف . و ( كم ) : نصب بـ " أهلكنا " . و ( هم أشد ) : يجوز أن يكون جرا صفة لقرن ، ونصبا صفة لكم .

ودخلت الفاء في " فنقبوا " عطفا على المعنى ؛ أي بطشوا فنقبوا ، وفيها قراءات ظاهرة المعنى ، والمعنى : هل لهم ، أو هل لمن سلك طريقهم .

( من محيص ) : أي مهرب ، فحذف الخبر .

قال تعالى : ( ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ( 40 ) واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ( 41 ) يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ( 42 ) إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير ( 43 ) يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير ( 44 ) ) .

قوله تعالى : ( وأدبار السجود ) بفتح الهمزة ، جمع دبر ، وبكسرها مصدر أدبر ؛ والتقدير : وقت إدبار السجود . و ( يوم يسمعون ) : بدل من " يوم ينادي " . و ( يوم تشقق ) ظرف للمصير ، أو بدل من يوم الأول . و ( سراعا ) : حال ؛ أي يخرجون سراعا .

ويجوز أن يكون " يوم تشقق " ظرفا لهذا المقدر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية