الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل منزلة العلم

ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة العلم .

وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه : فسلوكه على غير طريق . وهو مقطوع عليه طريق الوصول ، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح ، مغلقة عنه أبوابها . وهذا إجماع من الشيوخ العارفين . ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم ، ونواب إبليس وشرطه .

قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد رحمه الله : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ، لا يقتدى به في هذا الأمر ، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة .

وقال : مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة .

وقال أبو حفص رحمه الله : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة . ولم يتهم خواطره . فلا يعد في ديوان الرجال .

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله : ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما . فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب ، والسنة .

وقال سهل بن عبد الله رحمه الله : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء - طاعة كان أو معصية - فهو عيش النفس ، وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء : فهو عذاب على النفس .

وقال السري : التصوف اسم لثلاثة معان : لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله .

[ ص: 435 ] وقال أبو يزيد : عملت في المجاهدة ثلاثين سنة ، فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ، ولولا اختلاف العلماء لبقيت ، واختلاف العلماء رحمة ، إلا في تجريد التوحيد .

وقال مرة لخادمه : قم بنا إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالصلاح لنزوره ، فلما دخلا عليه المسجد تنخع . ثم رمى بها نحو القبلة ، فرجع ولم يسلم عليه . وقال : هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه ؟

وقال : لقد هممت أن أسأل الله تعالى أن يكفيني مؤنة النساء . ثم قلت : كيف يجوز لي أن أسأل الله هذا ؟ ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولم أسأله . ثم إن الله كفاني مؤنة النساء ، حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أو حائط .

وقال : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى أن يرتفع في الهواء ، فلا تغتروا به ، حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي ، وحفظ الحدود ، وأداء الشريعة ؟

وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله : من عمل عملا بلا اتباع سنة ، فباطل عمله .

وقال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله : الصحبة مع الله : بحسن الأدب ، ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم : باتباع سنته ، ولزوم ظاهر العلم . ومع أولياء الله : بالاحترام والخدمة . ومع الأهل : بحسن الخلق . ومع الإخوان : بدوام البشر . ما لم يكن إثما . ومع الجهال : بالدعاء لهم والرحمة .

زاد غيره : ومع الحافظين : بإكرامهما واحترامهما ، وإملائهما ما يحمدانك عليه . ومع النفس : بالمخالفة . ومع الشيطان : بالعداوة .

وقال أبو عثمان أيضا : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا : نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا : نطق بالبدعة . قال الله تعالى : وإن تطيعوه تهتدوا .

وقال أبو الحسين النوري : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن [ ص: 436 ] حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه .

وقال محمد بن الفضل البلخي من مشايخ القوم الكبار : ذهاب الإسلام من أربعة : لا يعملون بما يعلمون ، ويعملون بما لا يعلمون ، ولا يتعلمون ما يعملون ، ويمنعون الناس من التعلم والتعليم .

وقال عمرو بن عثمان المكي : العلم قائد . والخوف سائق . والنفس حرون بين ذلك ، جموح خداعة رواغة . فاحذرها وراعها بسياسة العلم . وسقها بتهديد الخوف : يتم لك ما تريد .

وقال أبو سعيد الخراز : كل باطن يخالفه الظاهر فهو باطل .

وقال ابن عطاء : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة . لا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه .

وقال : كل ما سألت عنه فاطلبه في مفازة العلم . فإن لم تجده ففي ميدان الحكمة . فإن لم تجده فزنه بالتوحيد . فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة فاضرب به وجه الشيطان .

وألقي بنان الحمال بين يدي السبع . فجعل السبع يشمه لا يضره فلما أخرج قيل له : ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع ؟ قال : كنت أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع .

[ ص: 437 ] وقال أبو حمزة البغدادي - من أكابر الشيوخ . وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل : ما تقول يا صوفي - من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه . ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله وأقواله وأفعاله .

ومر الشيخ أبو بكر محمد بن موسى الواسطي يوم الجمعة إلى الجامع . فانقطع شسع نعله . فأصلحه له رجل صيدلاني . فقال : تدري لم انقطع شسع نعلي ؟ فقلت : لا . فقال : لأني ما اغتسلت للجمعة . فقال : هاهنا حمام تدخله ؟ فقال : نعم . فدخل واغتسل .

وقال أبو إسحاق الرقي ، من أقران الجنيد : علامة محبة الله : إيثار طاعته ، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو يعقوب النهرجوري : أفضل الأحوال : ما قارن العلم .

وقال أبو القاسم النصراباذي شيخ خراسان في وقته : أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة . وترك الأهواء والبدع . وتعظيم كرامات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات .

وقال أبو بكر الطمستاني - من كبار شيوخ الطائفة - : الطريق واضح والكتاب [ ص: 438 ] والسنة قائم بين أظهرنا . وفضل الصحابة معلوم ، لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم ، فمن صحب الكتاب والسنة ، وتغرب عن نفسه وعن الخلق ، وهاجر بقلبه إلى الله : فهو الصادق المصيب .

وقال أبو عمرو بن نجيد : كل حال لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه .

وقال : التصوف : الصبر تحت الأوامر والنواهي .

وكان بعض أكابر الشيوخ المتقدمين يقول : يا معشر الصوفية ، لا تفارقوا السواد في البياض تهلكوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية