الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الرحمن .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( الرحمن ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( الرحمن ) : ذهب قوم إلى أنها آية ، فعلى هذا يكون التقدير : الله الرحمن ؛ ليكون الكلام تاما . وعلى قول الآخرين يكون " الرحمن " مبتدأ ، وما بعده الخبر .

قال تعالى : ( خلق الإنسان ( 3 ) علمه البيان ( 4 ) ) .

و ( خلق الإنسان ) : مستأنف ، وكذلك " علمه " ويجوز أن يكون حالا من الإنسان مقدرة ، و " قد " معها مرادة .

قال تعالى : ( الشمس والقمر بحسبان ( 5 ) والنجم والشجر يسجدان ( 6 ) والسماء رفعها ووضع الميزان ( 7 ) ) .

قوله تعالى : ( بحسبان ) : أي يجريان بحسبان . ( والسماء ) بالنصب بفعل محذوف يفسره المذكور ؛ وهذا أولى من الرفع ؛ لأنه معطوف على اسم قد عمل فيه الفعل ، وهو الضمير في " يسجدان " أو هو معطوف على " الإنسان " .

قال تعالى : ( ألا تطغوا في الميزان ( 8 ) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ( 9 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تطغوا ) : أي لئلا تطغوا .

وقيل : " لا " للنهي ، وأن بمعنى أي ، والقول مقدر . و ( تخسروا ) بضم التاء ؛ أي ولا تنقصوا الموزون .

وقيل : التقدير : في الميزان . ويقرأ بفتح السين والتاء ، وماضيه خسر ، والأول أصح .

[ ص: 433 ] قال تعالى : ( والأرض وضعها للأنام ( 10 ) فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام ( 11 ) ) .

قوله تعالى : ( للأنام ) : تتعلق اللام بوضعها .

وقيل : تتعلق بما بعدها ؛ أي للأنام " فيها فاكهة " فتكون إما خبر المبتدأ ، أو تبيينا .

قال تعالى : ( والحب ذو العصف والريحان ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( والحب ) يقرأ بالرفع عطفا على " النخل " ( والريحان ) كذلك . ويقرأ بالنصب ؛ أي وخلق الحب ذا العصف ، وخلق الريحان .

ويقرأ : الريحان ، بالجر ، عطفا على العصف .

قال تعالى : ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ( 14 ) وخلق الجان من مارج من نار ( 15 ) ) .

قوله تعالى : ( كالفخار ) : هو نعت لصلصال . و ( من نار ) : نعت لمارج .

قال تعالى : ( رب المشرقين ورب المغربين ( 17 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 18 ) مرج البحرين يلتقيان ( 19 ) بينهما برزخ لا يبغيان ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( رب المشرقين ) : أي هو رب . وقيل : هو مبتدأ ، والخبر " مرج " .

و ( يلتقيان ) : حال . و ( بينهما برزخ ) : حال من الضمير في " يلتقيان " .

و ( لا يبغيان ) : حال أيضا .

قال تعالى : ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( يخرج منهما ) قالوا : التقدير من أحدهما :

قال تعالى : ( وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ( 24 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 25 ) كل من عليها فان ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( المنشآت ) : بفتح الشين وهو الوجه . ( في البحر ) : متعلق به .

ويقرأ بكسرها ؛ أي تنشئ المسير ، وهو مجاز .

[ ص: 434 ] و ( كالأعلام ) : حال من الضمير في " المنشآت " . والهاء في " عليها " للأرض ، وقد تقدم ذكره .

قال تعالى : ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ( 27 ) ) .

قوله تعالى : ( ذو الجلال ) بالرفع وهو نعت للوجه ، وبالجر نعت للمجرور .

قال تعالى : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ( 29 ) ) .

قوله تعالى : ( كل يوم ) : هو ظرف لما دل عليه " هو في شأن " ؛ أي يقلب الأمور كل يوم .

قال تعالى : ( سنفرغ لكم أيه الثقلان ( 31 ) ) .

قوله تعالى : ( سنفرغ ) : الجمهور على ضم الراء ، وقرئ بفتحها من أجل حرف الحلق ، وماضيه فرغ بفتح الراء .

وقد سمع فيه فرغ بكسر الراء ، فتفتح في المستقبل مثل نصب ينصب .

قال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( لا تنفذون ) : لا نافية بمعنى " ما " .

قال تعالى : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ( 35 ) ) .

و ( شواظ ) بالضم والكسر لغتان ، قد قرئ بهما . و ( من نار ) : صفة ، أو متعلق بالفعل .

( ونحاس ) بالرفع عطفا على شواظ ، وبالجر عطفا على نار ؛ والرفع أقوى في المعنى ؛ لأن النحاس : الدخان ، وهو الشواظ من النار .

قال تعالى : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ( 37 ) ) .

و ( الدهان ) : جمع دهن ، وقيل : هو مفرد ، وهو النطع .

[ ص: 435 ] قال تعالى : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( 39 ) ) .

( جان ) : فاعل .

ويقرأ بالهمز ؛ لأن الألف حركت فانقلبت همزة ، وقد ذكر ذلك في الفاتحة .

قال تعالى : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ( 44 ) ) .

قوله تعالى : ( يطوفون ) : هو حال من " المجرمين " ويجوز أن يكون مستأنفا .

و ( آن ) : فاعل ، مثل قاض .

قال تعالى : ( ذواتا أفنان ( 48 ) ) .

قوله تعالى : ( ذواتا ) : الألف قبل التاء بدل من ياء . وقيل : من واو ؛ وهو صفة لجنتان . أو خبر مبتدأ محذوف . والأفنان : جمع فنن ؛ وهو الغصن .

قال تعالى : ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان ( 54 ) ) .

قوله تعالى : ( متكئين ) : هو حال من " خاف " والعامل فيه الظرف .

قوله تعالى : ( من إستبرق ) : أصل الكلمة فعل على استفعل ، فلما سمي به قطعت همزته ، وقيل : هو أعجمي .

وقرئ بحذف الهمزة وكسر النون . وهو سهو ؛ لأن ذلك لا يكون في الأسماء ، بل في المصادر والأفعال .

قال تعالى : ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ( 56 ) ) .

قوله تعالى : ( فيهن ) : يجوز أن يكون الضمير لمنازل الجنتين ، وأن يكون للفرش ؛ أي عليهن ، وأفرد الظرف ؛ لأنه مصدر . و ( لم يطمثهن ) : وصف لقاصرات ؛ لأن الإضافة غير محضة ، وكذلك " كأنهن الياقوت " .

قال تعالى : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( 60 ) ) .

[ ص: 436 ] و ( الإحسان ) : خبر جزاء ، ودخلت إلا على المعنى .

قال تعالى : ( فيهن خيرات حسان ( 70 ) فبأي آلاء ربكما تكذبان ( 71 ) حور مقصورات في الخيام ( 72 ) ) .

قوله تعالى : ( خيرات ) : هو جمع خيرة ، يقال : امرأة خيرة . وقرئ بتشديد الياء . و ( حور ) : بدل من " خيرات " . وقيل : الخبر محذوف ؛ أي فيهن حور .

قال تعالى : ( متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ( 76 ) ) .

و ( متكئين ) : حال ، وصاحب الحال محذوف دل عليه الضمير في " قبلهم " .

و ( رفرف ) : في معنى الجمع ؛ فلذلك وصف بـ " خضر " وقرئ رفراف ، وكذلك " عبقري " .

قال تعالى : ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ( 78 ) ) .

و ( ذي الجلال ) : نعت لربك ؛ وهو أقوى من الرفع ؛ لأن الاسم لا يوصف . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية