الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5049 ) مسألة ; قال : ( ولو أمره أن يجعلها في منزل ، فأخرجها عن المنزل ، لغشيان نار ، أو سيل ، أو شيء الغالب منه البوار ، فلا ضمان عليه ) وجملة ذلك أن رب الوديعة إذا أمر المستودع بحفظها في مكان عينه ، فحفظها فيه ، ولم يخش عليها ، فلا ضمان عليه . بغير خلاف لأنه ممتثل لأمره ، غير مفرط في ماله . وإن خاف عليها سيلا وتوى ، يعني هلاكا ، فأخرجها منه إلى حرزها ، فتلفت ، فلا ضمان عليه . بغير خلاف أيضا ; لأن نقلها في هذه الحال تعين حفظا لها ، وهو مأمور بحفظها .

                                                                                                                                            وإن تركها مع الخوف فتلفت ، ضمنها سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره ; لأنه فرط في حفظها ، لأن حفظها نقلها ، وتركها تضييع لها . وإن لم يخف عليها فنقلها عن الحرز إلى دونه ، ضمنها ; لأنه خالفه في الحفظ المأمور به . وإن نقلها إلى دونه عند الخوف عليها ، نظرنا ; فإن أمكنه إحرازها بمثله ، أو أعلى منه ، ضمنها أيضا ; لتفريطه ، وإن لم يمكنه إحرازها إلا بما دونه ، لم يضمنها ; لأن إحرازها بذلك أحفظ لها من تركه ، وليس في وسعه سواه . وإن نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير عذر ، فقال القاضي : لا يضمنها . وهو مذهب الشافعي ; لأن تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله ، كمن اكترى أرضا لزرع حنطة ، فله زرعها وزرع مثلها في الضرر . ويحتمل كلام الخرقي لزوم الضمان ، لأن الأمر بشيء يقتضي تعيينه ، فلا يعدل عنه إلا بدليل .

                                                                                                                                            وإن نقلها إلى أحرز منه كان حكمه حكم ما لو أخرجها إلى مثله . فإن نهاه عن إخراجها من ذلك المكان ، فالحكم فيه كما لو أمره بتركها فيه ولم ينهه عن إخراجها منه ، إلا في أنه إذا خاف عليها فلم يخرجها حتى تلفت ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يضمن ; لما ذكرنا في التي قبلها . والثاني ، لا يضمن ; لأنه ممتثل لقول صاحبها [ ص: 304 ] وفي أنه إذا أخرجها لغير عذر ضمنها ، سواء أخرجها إلى مثله أو دونه أو فوقه لأنه خالف صاحبها لغير فائدة . وهذا ظاهر كلام الشافعي . وقال أبو حنيفة : إن نهاه عن نقلها من بيت ، فنقلها إلى بيت آخر من الدار ، لم يضمن ; لأنه البيتين من دار واحدة حرز واحد ، وطريق أحدهما طريق الآخر ، فأشبه ما لو نقلها من زاوية إلى زاوية .

                                                                                                                                            وإن نقلها من دار إلى دار أخرى ، ضمن . ولنا ، أنه خالف أمر صاحبها بما لا مصلحة فيه ، فيضمن ، كما لو نقلها من دار إلى دار . وليس ما فرق به صحيحا ; لأن ثبوت الدار تختلف ، فمنها ما هو أقرب إلى الطريق ، أو إلى موضع الوقود ، أو إلى الانهدام ، أو أسهل فتحا ، أو بابه أسهل كسرا ، أو أضعف حائطا ، أوأسهل نقبا ، أو لكون المالك يسكن به ، أو يسكن في غيره ، وأشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه ، فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة . وإن خاف عليها في موضعها ، فعليه نقلها .

                                                                                                                                            فإن تركها فتلفت ضمنها ; لأن نهي صاحبها عن إخراجها إنما كان لحفظها ، وحفظها هاهنا في إخراجها ، فأشبه ما لو لم ينهه عن إخراجها . فإن قال : لا تخرجها وإن خفت عليها . فأخرجها من غير خوف ضمنها ، وإن أخرجها عند خوفه عليها ، أو تركها فتلفت ، لم يضمنها ; لأن نهيه مع خوف الهلاك نص فيه ، وتصريح به ، فيكون مأذونا في تركها في تلك الحال ، فلم يضمنها ; لامتثاله أمر صاحبها ، كما لو قال له : أتلفها . فأتلفها . ولا يضمن إذا أخرجها ; لأنه زيادة خير وحفظ ، فلم يضمن به ، كما لو قال له : أتلفها . فلم يتلفها حتى تلفت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية