الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الواقعة .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( إذا وقعت الواقعة ( 1 ) ليس لوقعتها كاذبة ( 2 ) ) .

العامل في " إذا " على أوجه ؛ أحدها : هو مفعول اذكر .

والثاني : هو ظرف لما دل عليه : " ليس لوقعتها كاذبة " أي إذا وقعت لم تكذب .

والثالث : هو ظرف لخافضة أو رافعة ؛ أي إذا وقعت خفضت ورفعت .

والرابع : هو ظرف لرجت ؛ وإذا الثانية على هذا تكرير للأولى ، أو بدل منها .

والخامس : هو ظرف لما دل عليه : فأصحاب الميمنة ؛ أي إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها . وكاذبة [ بمعنى الكذب ، كالعاقبة والعافية . وقيل : التقدير : ليس لها حالة كاذبة ] أي مكذوب فيها . و ( خافضة رافعة ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هي خافضة قوما ، ورافعة آخرين . وقرئ بالنصب على الحال من الضمير في " كاذبة " أو في " وقعت " .

[ ص: 437 ] قال تعالى : ( إذا رجت الأرض رجا ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( إذا رجت ) : " إذا " بدل من إذا الأولى .

وقيل : هو ظرف لرافعة . وقيل : لما دل عليه " فأصحاب الميمنة " . وقيل : هو مفعول اذكر .

قال تعالى : ( فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( فأصحاب الميمنة ) : هو مبتدأ . و ( ما أصحاب ) : مبتدأ وخبر ، خبر الأول .

فإن قيل : أين العائد من الجملة إلى المبتدأ ؟ .

قيل : لما كان " أصحاب " الثاني هو الأول لم يحتج إلى ضمير .

وقيل : " ما أصحاب الميمنة " لا موضع له ، وكذلك ما أصحاب المشأمة . والسابقون السابقون ؛ وخبر الأول أولئك المقربون ، وهذا بعيد ؛ لأن أصحاب المشأمة ليسوا من المقربين .

قال تعالى : ( والسابقون السابقون ( 10 ) أولئك المقربون ( 11 ) في جنات النعيم ( 12 ) ثلة من الأولين ( 13 ) وقليل من الآخرين ( 14 ) على سرر موضونة ( 15 ) متكئين عليها متقابلين ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( والسابقون ) : الأول مبتدأ والثاني خبره ؛ أي السابقون بالخير السابقون إلى الجنة .

وقيل : الثاني نعت للأول ، أو تكرير توكيدا ، والخبر " أولئك " .

قوله تعالى : ( في جنات ) : أي هم في جنات ، أو يكون حالا من الضمير في " المقربون " . أو ظرفا .

وقيل : هو خبر " ثلة " وعلى الأقوال الأول يكون الكلام تاما عند قوله تعالى : " النعيم " ويكون في " ثلة " وجهان ؛ أحدهما : هو مبتدأ ، والخبر " على سرر " . والثاني : هو خبر ؛ أي هم ثلة .

و ( متكئين ) : حال من الضمير في " على " و " متقابلين " : حال من الضمير في " متكئين " .

قال تعالى : ( يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين ( 18 ) ) .

( يطوف عليهم ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا . و ( بأكواب ) : يتعلق بيطوف .

[ ص: 438 ] قال تعالى : ( وحور عين ) ( 22 ) .

قوله تعالى : ( وحور عين ) : يقرأ بالرفع ، وفيه أوجه :

أحدها : هو معطوف على " ولدان " أي يطفن عليهم للتنعم ، لا للخدمة .

والثاني : تقديره : لهم حور ، أو عندهم ، أو وثم . والثالث : تقديره : ونساؤهم حور .

ويقرأ بالنصب على تقدير : يعطون ، أو يجازون .

وبالجر عطفا على أكواب في اللفظ دون المعنى ؛ لأن الحور لا يطاف بهن .

وقيل : هو معطوف على " جنات " أي : في جنات ، وفي حور .

والحور : جمع حوراء ؛ والعين جمع عيناء ، ولم يضم أوله لئلا تنقلب الياء واوا .

قال تعالى : ( جزاء بما كانوا يعملون ( 24 ) ) .

و ( جزاء ) مفعول له ، أو على تقدير : يجزون جزاء .

قال تعالى : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ( 25 ) إلا قيلا سلاما سلاما ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا قيلا ) : هو استثناء منقطع .

و ( سلاما ) : بدل ، أو صفة . وقيل : هو مفعول " قيلا " . وقيل : هو مصدر .

قال تعالى : ( وفاكهة كثيرة ( 32 ) لا مقطوعة ولا ممنوعة ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( لا مقطوعة ) : قيل : هو نعت لفاكهة . وقيل : هو معطوف عليها .

قال تعالى : ( إنا أنشأناهن إنشاء ( 35 ) فجعلناهن أبكارا ( 36 ) عربا أترابا ( 37 ) ) .

قوله تعالى : ( أنشأناهن ) : الضمير للفرش ؛ لأن المراد بها النساء . والعرب : جمع عروب ، والأتراب : جمع ترب .

قال تعالى : ( لأصحاب اليمين ( 38 ) ثلة من الأولين ( 39 ) وثلة من الآخرين ( 40 ) وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ( 41 ) في سموم وحميم ( 42 ) وظل من يحموم ( 43 ) ) .

قوله تعالى : ( لأصحاب اليمين ) : اللام متعلقة بأنشأناهن أو بجعلناهن ؛ إذ هو نعت لأتراب . و ( ثلة ) أي وهم ثلة . وكذلك " في سموم " أي هم في سموم .

[ ص: 439 ] والياء في " يحموم " زائدة ، ووزنه يفعول ، من الحمم ، أو الحميم .

قال تعالى : ( لآكلون من شجر من زقوم ( 52 ) فمالئون منها البطون ( 53 ) فشاربون عليه من الحميم ( 54 ) فشاربون شرب الهيم ( 55 ) ) .

قوله تعالى : ( من شجر ) : أي لآكلون شيئا من شجر . وقيل : " من " زائدة . و ( من زقوم ) : نعت لشجر ، أو لشيء المحذوف .

وقيل : " من " الثانية زائدة ؛ أي لآكلون زقوما من شجر . والهاء في " منها " للشجر . والهاء في " عليه " للمأكول .

و ( شرب الهيم ) : بالضم والفتح والكسر ؛ فالفتح مصدر ، والآخران اسم له . وقيل : هي لغات في المصدر ، والتقدير : شربا مثل شرب الهيم . و ( الهيم ) : جمع أهيم ، وهيماء .

قال تعالى : ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( 76 ) إنه لقرآن كريم ( 77 ) في كتاب مكنون ( 78 ) ) .

قوله تعالى : ( لو تعلمون ) : هو معترض بين الموصوف والصفة . و ( في كتاب ) : صفة أخرى لقرآن ، أو حال من الضمير في كريم ، أو خبر مبتدأ محذوف .

قال تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ( 79 ) تنزيل من رب العالمين ( 80 ) ) .

قوله تعالى : ( لا يمسه ) : هو نفي . وقيل : هو نهي حرك بالضم .

و ( تنزيل ) أي هو تنزيل ؛ ويجوز أن يكون نعتا لقرآن .

قال تعالى : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( 82 ) ) .

( وتجعلون رزقكم ) أي شكر رزقكم .

قال تعالى : ( ترجعونها إن كنتم صادقين ( 87 ) ) .

و ( ترجعونها ) : جواب " لولا " وأغنى ذلك عن جواب الثانية . وقيل عكس ذلك . وقيل : لولا الثانية تكرير .

قال تعالى : ( فأما إن كان من المقربين ( 88 ) فروح وريحان وجنة نعيم ( 89 ) ) .

قوله تعالى : ( فأما إن كان ) : جواب أما : " فروح " . وأما " إن " فاستغني بجواب " أما " عن جوابها لأن " إن " قد حذف جوابها في مواضع ، والتقدير : فله روح .

[ ص: 440 ] ويقرأ بفتح الراء وضمها ؛ فالفتح مصدر ، والضم اسم له . وقيل : هو المتروح به .

والأصل في " ريحان " : ريوحان على فيعلان ؛ قلبت الواو ياء ، وأدغم ، ثم خفف ، مثل : سيد وسيد . وقيل : هو فعلان قلبت الواو ياء وإن سكنت وانفتح ما قبلها .

قال تعالى : ( فنزل من حميم ( 93 ) وتصلية جحيم ( 94 ) إن هذا لهو حق اليقين ( 95 ) فسبح باسم ربك العظيم ( 96 ) ) .

قوله تعالى : ( فنزل ) : أي فله نزل . ( وتصلية ) بالرفع : عطفا على نزل ، وبالجر عطفا على حميم .

و ( حق اليقين ) : أي حق الخبر اليقين . وقيل : المعنى : حقيقة اليقين .

و ( العظيم ) : صفة لربك ، وقيل : للاسم . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية