الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5066 ) مسألة ; قال : ( ومن أودع شيئا ، فأخذ بعضه ، ثم رده أو مثله ، فضاع الكل ، لزمه مقدار ما أخذ ) وجملته أن من أودع شيئا ، فأخذ بعضه ، لزمه ضمان ما أخذ ، فإن رده أو مثله ، لم يزل الضمان عنه . وبهذا قال الشافعي . وقال مالك : لا ضمان عليه إذا رده أو مثله . وقال أصحاب الرأي : إن لم ينفق ما أخذه ، ورد ، لم يضمن ، وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن . ولنا ، أن الضمان تعلق بذمته بالأخذ ، بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه ، فلا يزول إلا برده إلى صاحبه كالمغصوب .

                                                                                                                                            فأما سائر الوديعة ، فينظر فيه ; فإن كان في كيس مختوم أو مشدود ، فكسر الختم أو حل الشد ، ضمن ، سواء أخرج منه أو لم يخرج ; لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به . وإن خرق الكيس فوق الشد ، فعليه ضمان ما خرق خاصة ; لأنه ما هتك الحرز . وإن لم تكن الدراهم في كيس ، أو كانت في كيس غير مشدود ، أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه ، لم يضمن غيره ; لأنه لم يتعد في غيره . وإن رد بدله وكان متميزا ، لم يضمن غيره لذلك ، وإن لم يكن متميزا ، فظاهر كلام الخرقي هاهنا أنه لا يضمن غيره

                                                                                                                                            لأن التعدي اختص به ، فيختص الضمان به ، وخلط المردود بغيره لا يقتضي الضمان ; لأنه يجب رده معها ، فلم يفوت على نفسه إمكان ردها ، بخلاف ما إذا خلطه بغيره . ولو أذن له صاحب الوديعة في الأخذ منها ، ولم يأمره برد بدله ، فأخذ ثم رد بدل ما أخذ [ ص: 311 ] فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه . وقال القاضي : يضمن الكل . وهو قول الشافعي ; لأنه خلط الوديعة بما لا يتميز منها ، فضمن الكل ، كما لو خلطها بغير البدل . وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره ، فلا يصح القياس .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا كسر ختم الكيس ، لم يلزمه ضمان الوديعة ; لأنه لم يتعد في غيره . ولنا ، أنه هتك حرزها ، فضمنها إذا تلفت ، كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ، ففتحه وتركه مفتوحا . ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية