الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خفي الإرسال ، والمزيد في الإسناد


782 . وعدم السماع واللقاء يبدو به الإرسال ذو الخفاء      783 . كذا زيادة اسم راو في السند
إن كان حذفه بعن فيه ورد [ ص: 114 ]      784 . وإن بتحديث أتى فالحكم له
مع احتمال كونه قد حمله      785 . عن كل إلا حيث ما زيد وقع
وهما وفي ذين الخطيب قد جمع

التالي السابق


ليس المراد هنا بالإرسال ما سقط منه الصحابي ، كما هو المشهور في حد المرسل . وإنما المراد هنا : مطلق الانقطاع .

ثم الإرسال على نوعين : ظاهر ، وخفي .

فالظاهر هو أن يروي الرجل عمن لم يعاصره بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث ، كأن يروي مالك مثلا عن سعيد بن المسيب ، وكحديث رواه النسائي من رواية القاسم بن محمد ، عن ابن مسعود ، قال أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه ، ثم نام حتى أصبح ، . . . الحديث فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود .

والخفي : هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه ، أو عمن لقيه ولم يسمع منه ، أو عمن عاصره ولم يلقه ، فهذا قد يخفى على كثير من أهل الحديث ، لكونهما قد جمعهما عصر واحد . وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين . وقد أفرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل ، فتبعته على ذلك [ ص: 115 ] .

ويعرف خفي الإرسال بأمور :أحدها أن يعرف عدم اللقاء بينهما بنص بعض الأئمة على ذلك ، أو يعرف ذلك بوجه صحيح ، كحديث رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال رحم الله حارس الحرس ، فإن عمر لم يلق عقبة ، كما قال المزي في الأطراف والثاني : بأن يعرف عدم سماعه منه مطلقا بنص إمام على ذلك ، أو نحوه ، كأحاديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وهي في السنن الأربعة . فقد روى الترمذي : أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة : هل تذكر من عبد الله شيئا ؟ قال : لا .

والثالث : بأن يعرف عدم سماعه منه لذلك الحديث فقط ، وإن سمع منه غيره ; إما بنص إمام ، أو إخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث ، أو نحو ذلك .

والرابع : بأن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما ، كحديث رواه عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع ، عن حذيفة [ ص: 116 ] مرفوعا : "إن وليتموها أبا بكر ، فقوي ، أمين" ، فهو منقطع في موضعين ; لأنه روي عن عبد الرزاق ، قال : حدثني النعمان بن أبي شيبة ، عن الثوري ، وروي أيضا عن الثوري ، عن شريك ، عن أبي إسحاق .

وهذا القسم الرابع محل نظر لا يدركه إلا الحفاظ النقاد ، ويشتبه ذلك على كثير من أهل الحديث ; لأنه ربما كان الحكم للزائد ، وربما كان الحكم للناقص والزائد وهم فيكون من نوع المزيد في متصل الأسانيد ; فلذلك جمعت بينه وبين نوع خفي الإرسال ، وإن كان ابن الصلاح جعلهما نوعين ، وكذلك الخطيب أفردهما بالتصنيف ، فصنف في الأول كتابا سماه التفصيل لمبهم المراسيل ، وصنف في الثاني كتابا سماه تمييز المزيد في متصل الأسانيد ، وفي كثير مما ذكره فيه نظر والصواب ما ذكره ابن الصلاح من التفصيل واقتصرت عليه ، وهو أن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد ، إن كان بلفظة عن في ذلك - وكذلك ما لا يقتضي الاتصال ، كـ: قال ونحوها - فينبغي أن يحكم بإرساله ، ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الراوي الزائد ; لأن الزيادة من الثقة مقبولة وإن كان بلفظ يقتضي الاتصال ، كـ: حدثنا ، وأخبرنا ، وسمعت ، فالحكم للإسناد الخالي عن الرواي الزائد ; لأن معه الزيادة ، وهي إثبات سماعه منه ومثاله حديث رواه مسلم والترمذي من طريق ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن [ ص: 117 ] يزيد بن جابر ، عن بسر بن عبيد الله ، قال سمعت أبا إدريس الخولاني قال سمعت واثلة يقول سمعت أبا مرثد يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها فذكر أبي إدريس في هذا الحديث وهم من ابن المبارك ; لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر ، عن بسر ، عن واثلة بلفظ الاتصال بين بسر وواثلة رواه مسلم والترمذي أيضا ، والنسائي عن علي بن حجر ، عن الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن بسر ، قال سمعت واثلة ورواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى ، عن عيسى بن يونس ، عن ابن جابر كذلك وحكى الترمذي عن البخاري قال حديث ابن المبارك خطأ ، إنما هو عن بسر بن عبيد الله ، عن واثلة ، هكذا روى غير واحد عن ابن جابر قال وبسر قد سمع من واثلة وقال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا قال وكثيرا ما يحدث بسر ، عن أبي إدريس ، فغلط ابن المبارك ، وظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس ، عن واثلة قال وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه وقال الدارقطني زاد ابن المبارك في هذا أبا إدريس ولا أحسبه إلا أدخل حديثا في حديث فقد حكم هؤلاء الأئمة على ابن المبارك بالوهم في هذا [ ص: 118 ] وقولي : (مع احتمال كونه قد حمله عن كل إلا حيث ما زيد وقع وهما) أي : مع جواز أن يكون قد سمعه من هذا ، ومن هذا ، قال ابن الصلاح : "فجائز أن يكون سمع ذلك من رجل عنه ، ثم سمعه منه نفسه ، قال : فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة ، ثم لقي واثلة فسمعه منه ، كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا .

اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه ، أي : الطريق الزائد - وهما - كنحو ما ذكره أبو حاتم الرازي في المثال المذكور ، قال : وأيضا ، فالظاهر ممن وقع له مثل هذا أن يذكر السماعين ، فإذا لم يجئ عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة . وقد وقع في هذا الحديث وهم آخر لمن دون ابن المبارك بزيادة راو آخر في السند ، فقال فيه : عن ابن المبارك ، قال : حدثنا سفيان عن ابن جابر ، حدثني بسر ، قال : سمعت أبا إدريس ، قال : سمعت واثلة ، فذكر سفيان في هذا وهم ممن دون ابن المبارك ; لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك ، عن ابن جابر ، من غير ذكر سفيان ، منهم عبد الرحمن بن مهدي ، وحسن بن الربيع ، وهناد بن السري وغيرهم . وزاد فيه بعضهم التصريح بلفظ الإخبار بينهما .

وقولي : (وفي ذين) أي : وفي هذين النوعين ، وهما : الإرسال الخفي ، والمزيد في متصل الأسانيد ، قد صنف الخطيب كتابيه اللذين سبق ذكرهما .




الخدمات العلمية