الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 125 ] باب

                                                                                                                                                                        محرمات الإحرام

                                                                                                                                                                        وهي سبعة أنواع
                                                                                                                                                                        . الأول : اللبس . أما رأس الرجل ، فلا يجوز ستره لا بمخيط كالقلنسوة ، ولا بغيره كالعمامة ، والإزار والخرقة ، وكل ما يعد ساترا . فإن ستر لزمه الفدية . ولو توسد وسادة ، أو وضع يده على رأسه ، أو انغمس في ماء ، أو استظل بمحمل أو هودج فلا بأس سواء مس المحمل رأسه ، أم لا . وقال في " التتمة " : إذا مس المحمل رأسه وجبت الفدية . ولم أر هذا لغيره ، وهو ضعيف . ولو وضع على رأسه زنبيلا أو حملا ، فلا فدية على المذهب . وقيل : قولان . ولو طلى رأسه بطين ، أو حناء أو مرهم ، أو نحوهما ، فإن كان رقيقا لا يستر فلا فدية . وإن كان ثخينا ساترا ، وجبت على الأصح . ولا يشترط لوجوب الفدية ستر جميع الرأس ، كما لا يشترط في فدية الحلق الاستيعاب ، بل تجب بستر قدر يقصد ستره لغرض ، كشد عصابة ، أو إلصاق لصوق لشجة ونحوها ، وكذا ضبطه الإمام والغزالي . واتفق الأصحاب على أنه لو شد خيطا على رأسه ، لم يضر ، ولا فدية . وهذا ينقض ما ضبطا به ، فإن ستر المقدار الذي يحويه [ شد ] الخيط ، قد يقصد لمنع الشعر من الانتشار وغيره . فالوجه : الضبط بتسميته ساترا كل الرأس أو بعضه .

                                                                                                                                                                        قلت : تجب الفدية بتغطية البياض الذي وراء الأذن ، قاله الروياني وغيره ، وهو ظاهر . ولو غطى رأسه بكف غيره ، فالمذهب : أنه لا فدية ، ككف نفسه . وفي " الحاوي " و " البحر " وجهان لجواز السجود على كف غيره . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 126 ] أما غير الرأس ، فيجوز ستره . لكن لا يجوز لبس القميص ، ولا السراويل ، والتبان ، والخف ، ونحوها . فإن لبس شيئا من هذا مختارا ، لزمه الفدية قصر الزمان أم طال ولو لبس القباء لزمه الفدية ، سواء أخرج يده من الكمين ، أم لا . وفيه وجه قاله في " الحاوي " : أنه إن كان من أقبية خراسان ضيق الأكمام قصير الذيل ، لزمت الفدية وإن لم يدخل يده في الكم . وإن كان من أقبية العراق واسع الكم طويل الذيل ، لم يجب حتى يدخل يديه في كميه . والصحيح المعروف : ما سبق .

                                                                                                                                                                        ولو ألقى على نفسه قباء أو فرجية ، وهو مضطجع . قال الإمام : إن أخذ من بدنه ما إذا قام عد لابسه لزمه الفدية . وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد أمر ، فلا . واللبس مرعي في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس . فلو ارتدى بقميص ، أو قباء أو التحف بها أو اتزر بسراويل ، فلا فدية . كما لو اتزر بإزار لفقه من رقاع . ولا يتوقف التحريم والفدية في الملبوس على المخيط ، بل لا فرق بين المخيط والمنسوج ، كالزرد ، والمعقود كجبة اللبد ، والملفق بعضه ببعض ، سواء المتخذ من القطن والجلد وغيرهما . ويجوز أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطا ، وأن يجعل له مثل الحجزة ، ويدخل فيها التكة وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه ، ولا يعقد رداءه وله أن يغرزه في طرف إزاره . ولو اتخذ لردائه شرجا وعرى ، وربط الشرج بالعرى ، وجبت الفدية على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : المذهب والمنصوص : أنه لا يجوز عقد الرداء ، وكذا لا يجوز خله بخلال أو مسلة ، ولا ربط طرفه إلى طرفه بخيط ونحوه . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ولو شق الإزار نصفين ، ولف على كل ساق نصفا وعقده ، فالذي نقله الأصحاب : وجوب الفدية ؛ لأنه كالسراويل . وقال إمام الحرمين : لا فدية لمجرد [ ص: 127 ] اللف والعقد ، وإنما تجب إن كانت خياطة أو شرجا وعرى . وله أن يشتمل بالإزار والرداء طاقين ، وثلاثة ، وأكثر ، بلا خلاف . وله أن يتقلد المصحف والسيف ، ويشد الهميان والمنطقة على وسطه .

                                                                                                                                                                        أما المرأة ، فالوجه في حقها ، كرأس الرجل . وتستر جميع رأسها وسائر بدنها بالمخيط ، كالقميص والسراويل والخف ، وتستر من الوجه القدر اليسير الذي يلي الرأس ، إذ لا يمكن استيعاب ستر الرأس إلا به . والمحافظة على ستر الرأس بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك الجزء من الوجه . ولها أن تسدل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها ، سواء فعلته لحاجة من حر أو برد ، أو فتنة ونحوها ، أم لغير حاجة . فإن وقعت الخشبة ، فأصاب الثوب وجهها بغير اختيارها ، ورفعته في الحال ، فلا فدية . وإن كان عمدا ، أو استدامته ، لزمتها الفدية . وإذا ستر الخنثى المشكل رأسه فقط ، أو وجهه فقط فلا فدية ، وإن سترهما وجبت .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يحرم على الرجل لبس القفازين ، وفي تحريمه على المرأة ، قولان . أظهرهما عند الأكثرين : يحرم ، نص عليه في " الأم " و " الإملاء " ، وتجب به الفدية . والثاني : لا يحرم فلا فدية . ولو اختضبت ولفت على يديها خرقة فوق الخضاب ، أو لفتها بلا خضاب ، فالمذهب : أنه لا فدية . وقيل : قولان كالقفازين . وقال الشيخ أبو حامد : إن لم تشد الخرقة ، فلا فدية وإلا فالقولان . فإن أوجبنا الفدية ، فهل تجب بمجرد الحناء ؟ فيه ما سبق في الرجل إذا خضب رأسه بالحناء .

                                                                                                                                                                        ولو اتخذ الرجل لساعده ، أو لعضو آخر شيئا مخيطا ، أو للحيته خريطة يغلفها بها إذا خضبها ، فهل يلحق بالقفازين ؟ فيه تردد عن الشيخ أبي محمد . والأصح : [ ص: 128 ] الإلحاق ، وبه قطع كثيرون . ووجه المنع : أن المقصود اجتناب الملابس المعتادة ، وهذا ليس بمعتاد .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أما المعذور ففيه صور . إحداها : لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس ، أو لبس المخيط لعذر ، كحر ، أو برد ، أو مداواة ، أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه جاز ووجبت الفدية . الثانية : لو لم يجد الرجل الرداء ، لم يجز لبس القميص ، بل يرتدي به . ولو لم يجد الإزار ووجد السراويل ، نظر إن لم يتأت منه إزار لصغره ، أو لفقد آلة الخياطة ، أو لخوف التخلف عن القافلة ، فله لبسه ، ولا فدية . وإن تأتى ، فلبسه على حاله ، فلا فدية أيضا على الأصح . وإذا لبسه في الحالتين ، ثم وجد الإزار ، وجب نزعه . فإن أخر ، وجبت الفدية .

                                                                                                                                                                        الثالثة : لو لم يجد نعلين ، لبس المكعب ، أو قطع الخف أسفل من الكعب ولبسه . ولا يجوز لبس المكعب والخف المقطوع مع وجود التعين على الأصح .

                                                                                                                                                                        فعلى هذا ، لو لبس المقطوع لفقد النعلين ، ثم وجدهما وجب نزعه . فإن أخر ، وجبت الفدية . وإذا جاز لبس الخف المقطوع لم يضر استتار ظهر القدم بما بقي منه .

                                                                                                                                                                        والمراد بفقد الإزار والنعل : أن لا يقدر على تحصيله ، إما لفقده ، وإما لعدم بذل مالكه ، وإما لعجزه عن ثمنه أو أجرته . ولو بيع بغبن ، أو نسيئة ، أو وهب له لم يلزمه قبوله . وإن أعير وجب قبوله .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية