الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( كتاب الإجارة )

                                                                                        لما اشتركت الهبة والإجارة في معنى التمليك وكانت الهبة تمليك عين والإجارة تمليك منفعة قدم تلك وأخر هذه لكون العين أقوى وهي في اللغة اسم للأجرة وهي ما يستحق على عمل الخير وتمامه في المغرب وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف وركنها الإيجاب والقبول سواء كان بلفظ الإجارة أو بما يدل عليها فتنعقد بلفظ العارية حتى لو قال لغيره أعرتك هذه الدار شهرا بكذا أو قال كل شهر بكذا وقبل المخاطب كانت الإجارة صحيحة لأنها مأخوذة من التعاور والتداول وهو كما يكون بغير عوض يكون بعوض والتعاور بعوض إجارة بخلاف العارية حيث لا تنعقد بلفظ الإجارة حتى لو قال آجرتك هذه الدار بغير عوض كانت إجارة فاسدة ولا تكون عارية لأنها عقد خاص لتمليك المنفعة كما لو قال بعتك هذا العين بغير عوض كان باطلا أو فاسدا ولا تكون هبة كذا في فتاوى قاضي خان ولو قال وهبتك منافع هذه الدار شهرا بكذا يجوز وتكون إجارة وفي الفتاوى لو قال لآخر اشتريت منك خدمة عبدك هذا شهرا بكذا فهي إجارة فاسدة وعن محمد لو قال أعطيتك هذا العبد سنة يخدمك بكذا جاز وتكون إجارة وفي المحيط ولو قال بعت منك منافع الدار شهرا بكذا ذكر في العيون أن الإجارة فاسدة لأن المنافع معدومة وهي ليست بمحل للبيع .

                                                                                        وذكر شيخ الإسلام أن فيه اختلاف المشايخ وقال الحر إذا قال لغيره بعتك نفسي شهرا بكذا لعمل كذا فهو إجارة وعن الكرخي أن الإجارة لا تنعقد بلفظ البيع ثم رجع وقال تنعقد ولا تنعقد الإجارة الطويلة بالتعاطي لأن الأجرة غير معلومة قد يجعلون لكل سنة دانقا وقد يجعلون طسوجا وفي غير الطويلة الإجارة تنعقد بالتعاطي الكل من الخلاصة من الفصل الثاني في صحة الإجارة وفسادها وشرطها أن تكون الأجرة والمنفعة معلومتين لأن جهالتهما تفضي إلى المنازعة وحكمها وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة وهي مشروعة بالكتاب وهو قوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وغيره والسنة حديث البخاري { ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره } والإجماع .

                                                                                        ( قوله هي بيع منفعة معلومة بأجر معلوم ) يعني الإجارة شرعا تمليك منفعة بعوض فخرج البيع والهبة والعارية والنكاح فإنه استباحة المنافع بعوض لا تمليكها وأشار المصنف رحمه الله تعالى [ ص: 298 ] إلى أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة في حق الانعقاد لا في حق الملك لأن العقد لا بد له من محل لأنه شرط للصحة لقول الفقهاء المحال شروط ومحل العقد هنا المنافع وهي معدومة والمعدوم لا يصلح محلا فجعلت الدار محلا بإقامتها مقام المنافع ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع لا يجوز بأن قال آجرتك منافع هذه الدار شهرا بكذا وإنما يصح بإضافته إلى العين والمراد من انعقاد العلة ساعة فساعة في كلام مشايخنا على حسب حدوث المنافع هو عمل العلة ونفاذها في المحل ساعة فساعة لا ارتباط الإيجاب والقبول كل ساعة وإن كان ظاهر كلام مشايخنا يوهم ذلك والحكم تأخر من زمان انعقاد العلة إلى حدوث المنافع ساعة فساعة لأن الحكم قابل للتراخي كما في البيع بشرط الخيار .

                                                                                        ثم عقد الإجارة على ما عرف في أصول الفقه علة اسما لإضافة الحكم إليه ومعنى لكونه مؤثر إلا حكما لتراخي الحكم عنه كذا في غاية البيان وبهذا تبين أن تعريف المصنف أولى من تعريف القدوري بقوله عقد على المنافع بعوض لما علمت أنها عقد على العين وإنما المملوك المنافع والمراد من المنفعة المنفعة المقصودة من العين حتى لو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يقعد عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في فنائه ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها أو دارا لا يسكنها لكن يظن الناس أنها له ملكا أو عبدا على أن لا يستخدمه أو دراهم يضعها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له كذا في الخلاصة من الجنس الثالث في الدواب وعلل البزازي في فتاويه بأنها منفعة غير مقصودة من العين وذكر في الخلاصة في كتاب العارية أنه لو استعار دراهم ليتجمل بها كانت عارية لا قرضا ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن العارية تخالف الإجارة في اشتراط كون المنفعة مقصودة وأشار بقوله بيع منفعة إلى أنه لو استأجر خياطا ليخيط له هذا القميص والكم منه أو بناء على أن الأجر منه فهي فاسدة لأنها ليست ببيع عين كذا في المحيط واحترز بقوله بأجر معلوم عما إذا كان مجهولا كما إذا استأجر عبدا بأجر معلوم وبطعامه لا يجوز وكذا لو استأجر دابة بعلفها لا يجوز للجهالة بخلاف الظئر كما سيأتي كذا في الخلاصة وفيها أيضا رجل استأجر من آخر غلاما فقال صاحب الغلام بعشرين وقال المستأجر بعشرة فافترقوا على ذلك قال هو بعشرين إلا أن يرضى الذي آجره بعشرة

                                                                                        [ ص: 297 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 297 ] كتاب الإجارة )

                                                                                        ( قوله ولو قال وهبتك منافع هذه الدار شهرا بكذا يجوز وتكون إجارة ) قال الرملي سيأتي قريبا أنه لو أضيف العقد إلى المنافع لا يجوز ا هـ . فتأمله . ا هـ .

                                                                                        قلت وسيأتي عن المحشي نقل قولين في المسألة فلعل ما هنا على أحدهما [ ص: 298 ] ( قوله ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع لا يجوز ) قال الرملي ذكر في البزازية وكثير من الكتب قولين في المسألة ( قوله فهي فاسدة ) قال الرملي إنما كانت فاسدة لأنه شرط فيها بيع عين حتى لو وقعت على نفس العين كانت باطلة لا فاسدة بما صرحوا به من أنها لو وقعت على إتلاف الأعيان قصدا لا تنعقد فتأمل وقوله لأنها ليست أي الإجارة




                                                                                        الخدمات العلمية