الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن عرفة في كتاب الشهادات في تعارض البينتين قال في نوازل سحنون في كتاب الشهادات إن شهدت بينة بقتل زيد عمرا يوم كذا وبينة بأنه كان ذلك اليوم ببلد بعيد عن موضع القتل قضي ببينة القتل قال ابن رشد هذا مشهور المذهب وقاله أصبغ وقال إسماعيل القاضي يقضي ببينة البراءة إن كانت أعدل وإن كانتا في العدالة سواء طرحتا وقاله ابن عبد الحكم [ ص: 209 ] انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) قال ابن رشد في شرح هذه المسألة قال ابن عبد الحكم في أدب القضاء الذي كنت أسمع فيما كنا نتناظر عليه مع أصحابنا : أن شاهدين لو شهدا على رجل أنه أقر عندهم بعرفات يوم عرفة من العام الفلاني لرجل بمائة دينار وشهد آخر أنه كان عندهم بمصر في ذلك اليوم بعينه أن شهادة الذين شهدوا عليه بالمائة أحق وأولى قالوا : لأن هذين شهدوا بحق ولم يشهد الآخران بحق ولست أعرف هذا المعنى والذي أرى إن كان الشاهدان اللذان شهدا أنه كان بمصر في ذلك الوقت أعدل : أن لا يكون له شيء . ألا ترى أنه لو شهدا على رجل بحق أقر به عندهما في سنة مائتين وشهد شاهدان أعدل منهما أنه مات قبل ذلك بشهر أنه جرحة ولو كانتا في العدالة سواء لطرحتهما . وكذلك لو شهدوا أنه ولد بعد المائتين قال ابن رشد : لكلا القولين وجه وحظ من النظر . وستأتي هذه الكلمة في نوازل أصبغ فنتكلم عليها انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) زاد في النوادر عن المجموعة وكتاب ابن سحنون ما نصه قال سحنون إلا أن يشهد مثل أهل الموسم في جماعتهم أنه أقام لهم الحج ذلك اليوم أو أهل مصر أنه صلى بهم العيد ذلك اليوم فيبطل القتل ; لأن أهل الموسم لا يجتمعون على الغلط ولا يشتبه عليهم وقد يشتبه على الشاهدين وأكثر من ذلك .

                                                                                                                            ( قلت ) ذكره لأهل الموسم وأهل مصر يقتضي أنه لا ترد شهادة الشاهدين إلا بمثل ذلك العدد والظاهر أنه ليس مقصودا لذاته فإذا شهد جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب فالظاهر بطلان شهادة الشاهدين ولا ينضبط ذلك بعدد ويشهد لذلك ما ذكره ابن عرفة في الكلام على الترجيح بالعدد ونصه . وفي لغو الترجيح بالكثرة واعتباره قوله ورواية ابن حبيب وفيها لابن القاسم : لو شهد لهذا شاهدان ولهذا مائة وتكافئوا في العدالة لم ترجح بالكثرة اللخمي والمازري محمله على المغاياة ولو كثروا حتى يقع العلم بصدقهم لقضي بهم انتهى . قال : ونص ما أشار إليه ابن رشد في نوازل أصبغ على اختصار ابن عرفة إن شهدت بينة بزنى رجل بمصر في المحرم يوم عاشوراء وأخرى أنه كان ذلك اليوم بالعراق حد وكذا لو شهدت بينة أنه قتل فلانا بمصر وشهدت أخرى أنه قتل فلانا بالعراق قتل بهما .

                                                                                                                            ابن رشد تفرقة أصبغ هذه على قياس مشهور قول ابن القاسم أن البينتين إذا اختلفتا بالزيادة أعملت ذات الزيادة وإن اختلفت في الأنواع سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها . وقال أيضا إن اختلفتا بالزيادة سقطتا إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كاختلاف الأنواع فلزم على قياس هذا إن شهدت الأخرى أنه زنى ذلك اليوم بالعراق أن تسقط إلا أن تكون إحداهما أعدل فيقضى بها كما لو شهدت أنه سرق ذلك اليوم بالعراق وهو الذي يوجبه القياس لتكذيب كل بينة الأخرى وتعليل أصبغ لإقامة الحد والقتل فإنه يعلم أن صدق إحدى البينتين غير صحيح ; لأنه إذا علم أن إحداهما كاذبة واحتمل أن تكون كل واحدة منهما هي الكاذبة احتمل كذبهما معا وإذا احتمل كذبهما معا أو كذب إحداهما لم يصح الحكم بأن إحداهما صادقة إلا أن تكون هي أعدل وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم على ما ذكرنا عنه في نوازل سحنون ويأتي على قياس الأخوين عن مالك في البينتين إذا شهدت إحداهما بخلاف ما شهدت به الأخرى واستويا في العدالة أنه يقضي بشهادتهما معا أنه يحد للزنا والسرقة إذا شهدتا به معا وهو بعيد جدا انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال القرافي ولا يقضى بأعدل البينتين إلا في الأموال . قاله في كتاب الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ونقله ابن فرحون وهو مخالف لما ذكرناه من سماع يحيى ونقله ابن عرفة فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وبيد )

                                                                                                                            ش : قال القرافي في كتاب الدعاوى ( تنبيه ) اليد عبارة عن القرب والاتصال فأعظمها ثياب [ ص: 210 ] الإنسان التي عليه ونعله ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها وتليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها والدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم الاستيلاء على جميعها . قال بعض العلماء : فيقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو تنازع الساكنان الدار سوي بينهما بعد أيمانهما والراكب مع الراكب والسائق قيل يقدم الراكب مع يمينه انتهى فتأمله . والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية