الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5187 ) والفصل الثاني : في الغيبة المنقطعة ، التي يجوز للأبعد التزويج في مثلها . ففي قول الخرقي : هي من لا يصل إليه الكتاب ، أو يصل فلا يجيب عنه ; لأن مثل هذا تتعذر مراجعته بالكلية ، فتكون منقطعة ، أي ينقطع عن إمكان تزويجها . وقال القاضي : يجب أن يكون حد المسافة أن لا تردد القوافل فيه في السنة إلا مرة ; لأن الكفء ينتظر سنة ، ولا ينتظر أكثر منها ، فيلحق الضرر بترك تزويجها . وقد قال أحمد في موضع : إذا كان الأب بعيد السفر ، يزوج الأخ

                                                                                                                                            قال أبو الخطاب : فيحتمل أنه أراد بالسفر البعيد ما تقصر فيه الصلاة ; لأن ذلك هو السفر الذي علقت عليه الأحكام . وذهب أبو بكر إلى أن حدها ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة ; لأن أحمد قال : إذا لم يكن ولي حاضر من عصبتها ، كتب إليهم حتى يأذنوا ، إلا أن تكون غيبة منقطعة ، لا تدرك إلا بكلفة ومشقة ، فالسلطان ولي من لا ولي له . وهذا القول ، إن شاء الله تعالى أقربها إلى الصواب ، فإن التحديدات بابها التوقيف ، ولا توقيف في هذه المسألة ، فترد إلى ما يتعارفه الناس بينهم ، مما لم تجر العادة بالانتظار فيه ، ويلحق المرأة الضرر بمنعها من التزويج في مثله ، فإنه يتعذر في ذلك الوصول إلى المصلحة من نظر الأقرب ، فيكون كالمعدوم ، والتحديد بالعام كبير ; فإن الضرر يلحق بالانتظار في مثل ذلك ، ويذهب الخاطب ، ومن لا يصل الكتاب منه أبعد ، ومن هو على مسافة القصر لا تلحق المشقة في مكاتبته .

                                                                                                                                            والتوسط أولى . والله أعلم . واختلف أصحاب أبي حنيفة في الغيبة المنقطعة ، فقال بعضهم كقول القاضي ، وبعضهم قال : من الري إلى بغداد . وبعضهم قال : من البصرة إلى الرقة وهذان القولان يشبهان قول أبي بكر . واختلف أصحاب الشافعي في الغيبة التي يزوج فيها الحاكم ، فقال بعضهم : مسافة القصر . وقال بعضهم : يزوجها الحاكم ، وإن كان الولي قريبا . وهو ظاهر نص الشافعي

                                                                                                                                            وظاهر كلام أحمد ، أنه إذا كانت الغيبة غير منقطعة ، أنه ينتظر ويراسل حتى يقدم أو يوكل .

                                                                                                                                            [ ص: 26 ] فصل : وإن كان القريب محبوسا ، أو أسيرا في مسافة قريبة ، لا تمكن مراجعته ، فهو كالبعيد ، فإن البعد لم يعتبر لعينه ، بل لتعذر الوصول إلى التزويج بنظره ، وهذا موجود هاهنا ، وكذلك إن كان غائبا لا يعلم أقريب أم بعيد ، أو علم أنه قريب ، ولم يعلم مكانه ، فهو كالبعيد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية