الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صدد

                                                          صدد : الصد : الإعراض والصدوف . صد عنه يصد ويصد صدا وصدودا : أعرض . ورجل صاد من قوم صداد ، وامرأة صادة من نسوة صواد وصداد أيضا ؛ قال القطامي :

                                                          أبصارهن إلى الشبان مائلة وقد أراهن عنهم غير صداد

                                                          ويقال : صده عن الأمر يصده صدا منعه وصرفه عنه . قال الله عز وجل : وصدها ما كانت تعبد من دون الله ؛ يقال عن الإيمان العادة التي كانت عليها ؛ لأنها نشأت ولم تعرف إلا قوما يعبدون الشمس فصدتها العادة ، وهي عادتها بقوله : إنها كانت من قوم كافرين ؛ المعنى صدها كونها من قوم كافرين عن الإيمان . وفي الحديث : فلا يصدنكم ذلك . وصده عنه وأصده : صرفه ، وفي التنزيل : فصدهم عن السبيل ؛ وقال امرؤ القيس :


                                                          أصد نشاص ذي القرنين حتى     تولى عارض الملك الهمام

                                                          وصدده : كأصده ؛ وأنشد الفراء لذي الرمة :


                                                          أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم     صدود السواقي عن أنوف الحوائم

                                                          وهذا البيت أنشده الجوهري وغيره على هذا النص ؛ قال ابن بري : وصواب إنشاده :


                                                          صدود السواقي عن رءوس المخارم

                                                          والسواقي : مجاري الماء . والمخرم : منقطع أنف الجبل . يقول : صدوا الناس عنهم بالسيف ، كما صدت هذه الأنهار عن المخارم فلم تستطع أن ترتفع إليها . وحكى اللحياني : لا صد عن ذلك ؛ قال : والتأويل حقا أنت فعلت ذاك . وصد يصد صدا : استغرب ضحكا . وصد يصد صدا : ضج وعج . وفي التنزيل : ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ؛ وقرئ يصدون فيصدون يضجون ويعجون ، كما قدمنا ويصدون يعرضون ، والله أعلم . الأزهري : تقول صد يصد ويصد مثل شد يشد ويشد ، والاختيار يصدون بالكسر ، وهي قراءة ابن عباس ، وفسره يضجون ويعجون . وقال الليث في قوله تعالى : إذا قومك منه يصدون ؛ أي يضحكون ؛ قال الأزهري : وعلى قول ابن عباس في تفسيره العمل . قال أبو منصور : يقال صددت فلانا عن أمره أصده صدا فصد يصد ، يستوي فيه لفظ الواقع واللازم ، فإذا كان المعنى يضج ويعج فالوجه الجيد صد يصد مثل ضج يضج ، ومنه قوله عز وجل : وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ؛ فالمكاء الصفير والتصدية التصفيق ، وقيل للتصفيق تصدية ؛ لأن اليدين تتصافقان فيقابل صفق هذه صفق الأخرى ، وصد هذه صد الأخرى ، وهما وجهاها . والصد : الهجران ، ومنه فيصد هذا ويصد هذا أي يعرض بوجهه عنه . ابن سيده : التصدية التصفيق والصوت على تحويل التضعيف . قال : ونظيره قصيت أظفاري في حروف كثيرة . قال : وقد عمل فيه سيبويه بابا ، وقد ذكر منه يعقوب وأبو عبيد أحرفا . الأزهري : يقال صدى يصدي تصدية إذا صفق ، وأصله صدد يصدد فكثرت الدالات فقلبت إحداهن ياء ، كما قالوا قصيت أظفاري والأصل قصصت أظفاري . قال : قال ذلك أبو عبيد وابن السكيت وغيرهما . وصديد الجرح : ماؤه الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة . وفي الحديث : يسقى من صديد أهل النار ؛ هو الدم والقيح الذي يسيل من الجسد ؛ ومنه حديث الصديق في الكفن : إنما هو للمهل والصديد ؛ ابن سيده : الصديد القيح الذي كأنه ماء ، وفيه شكلة . وقد أصد الجرح وصدد أي صار فيه المدة . والصديد في القرآن : ما يسيل من جلود أهل النار ، وقيل : هو الحميم إذا أغلي حتى خثر . وصديد الفضة : ذؤابتها على التشبيه وبذلك ، سمي المهلة . وقال أبو إسحاق في قوله تعالى : ويسقى من ماء صديد يتجرعه ، قال : الصديد ما يسيل من أهل النار من الدم والقيح . وقال الليث : الصديد الدم المختلط بالقيح في الجرح . وفي نوادر الأعراب : الصداد ما اضطرب ، وهو الستر . ابن بزرج : الصدود ما دلكته على مرآة ثم كحلت به عينا ، والصد والصد : الجبل ؛ قالت ليلى الأخيلية :


                                                          أنابغ لم تنبغ ولم تك أولا     وكنت صنيا بين صدين مجهلا

                                                          والجمع أصداد وصدود ، والسين فيه لغة ، والصد : المرتفع من السحاب تراه كالجبل ، والسين فيه أعلى . وصدا الجبل : ناحيتاه في مشعبه . والصدان : ناحيتا الشعب أو الجبل أو الوادي ، الواحد صد ، وهما الصدفان أيضا ؛ وقال حميد :


                                                          تقلقل قدح بين صدين أشخصت     له كف رام وجهة لا يريدها

                                                          قال : ويقال للجبل صد وسد . قال أبو عمرو : يقال لكل جبل صد وصد وسد وسد . قال أبو عمرو : الصدان الجبلان ؛ وأنشد بيت ليلى الأخيلية . وقال : الصني شعب صغير يسيل فيه الماء ، والصد الجانب . والصدد : الناحية . والصدد : ما استقبلك . وهذا صدد هذا وبصدده وعلى صدده أي قبالته . والصدد : القرب . والصدد : القصد . قال ابن سيده : قال سيبويه هو صددك ومعناه القصد ، قال : وهي من الحروف التي عزلها ليفسر معانيها ؛ لأنها غرائب . ويقال : صد السبيل إذا استقبلك عقبة صعبة فتركتها وأخذت غيرها ؛ قال الشاعر :


                                                          إذا رأين علما مقودا [ ص: 209 ]     صددن عن خيشومها وصدا

                                                          وقول أبي الهيثم :


                                                          فكل ذلك منا والمطي بنا     إليك أعناقها من واسط صدد

                                                          قال : صدد قصد . وصدد الطريق : ما استقبلك منه . وأما قول الله عز وجل : أما من استغنى فأنت له تصدى ؛ فمعناه تتعرض له وتميل إليه وتقبل عليه . يقال : تصدى فلان لفلان يتصدى إذا تعرض له ، والأصل فيه أيضا تصدد يتصدد . يقال : تصديت له والأصل فيه أيضا تصدد يتصدد . يقال : تصديت له أي أقبلت عليه ؛ وقال الشاعر :


                                                          لما رأيت ولدي فيهم ميل     إلى البيوت وتصدوا للحجل

                                                          قال الأزهري : وأصله من الصدد ، وهو ما استقبلك وصار قبالتك . وقال الزجاج : معنى قوله عز وجل : فأنت له تصدى ؛ أي أنت تقبل عليه جعله من الصدد ، وهو القبالة . وقال الليث : يقال هذه الدار على صدد هذه أي قبالتها . وداري صدد داره أي قبالتها نصب على الظرف . قال أبو عبيد : قال ابن السكيت : الصدد والصقب القرب . قال الأزهري : فجائز أن يكون معنى قوله تعالى : فأنت له تصدى ؛ أي تتقرب إليه على هذا التأويل . والصداد بالضم والتشديد : دويبة ، وهي من جنس الجرذان ؛ قال أبو زيد : هو في كلام قيس سام أبرص . ابن سيده : الصداد سام أبرص ، وقيل : الوزغ ؛ أنشد يعقوب :


                                                          منجحرا منجحر الصداد

                                                          ثم فسره بالوزغ ، والجمع منهما الصدائد ، على غير قياس ؛ وأنشد الأزهري :


                                                          إذا ما رأى إشرافهن انطوى لها     خفي كصداد الجديرة أطلس

                                                          والصدى مقصور : تين أبيض الظاهر أكحل الجوف إذا أريد تزبيبه فلطح ، فيجيء كأنه الفلك ، وهو صادق الحلاوة ؛ هذا قول أبي حنيفة . وصداء : اسم بئر ، وقيل : اسم ركية عذبة الماء ، وروى بعضهم هذا المثل : ماء ولا كصداء ؛ أنشد أبو عبيد :


                                                          وإني وتهيامي بزينب كالذي     يحاول من أحواض صداء مشربا

                                                          وقيل لأبي علي النحوي : هو فعلاء من المضاعف ، فقال : نعم ؛ وأنشد لضرار بن عتبة العبشمي :


                                                          كأني من وجد بزينب هائم     يخالس من أحواض صداء مشربا
                                                          يرى دون برد الماء هولا وذاذة     إذا شد صاحوا قبل أن يتحببا

                                                          وبعضهم يقول : صدآء بالهمز مثل صدعاء ؛ قال الجوهري : سألت عنه رجلا في البادية فلم يهمزه . والصداد : الطريق إلى الماء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية