الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5259 ) الفصل الثالث : أن على الزوج فداء أولاده . كذلك قضى عمر وعلي ، وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول مالك ، والثوري والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . وعن أحمد ، رواية أخرى ، ليس عليه فداؤهم ; لأن الولد ينعقد حر الأصل ، فلم يضمنه لسيد الأمة ; لأنه لم يملكه . وعنه أنه يقال له : افد أولادك ، وإلا فهم يتبعون أمهم .

                                                                                                                                            فظاهر هذا أنه خيره بين فدائهم وبين تركهم رقيقا ; لأنهم رقيق بحكم الأصل ، فلم يلزمه فداؤهم ، كما لو وطئها وهو يعلم رقها .

                                                                                                                                            وقال الخلال : اتفق عن أبي عبد الله أنه يفدي ولده . وقال إسحاق عنه في موضع : إن الولد له ، وليس عليه أن يفديهم . وأحسبه قولا أول لأبي عبد الله والصحيح أن عليه فداءهم ; لقضاء الصحابة صلوات الله عليهم أجمعين به ، ولأنه نماء الأمة المملوكة ، فسبيله أن يكون مملوكا لمالكها . وقد فوت رقه باعتقاد الحرية ، فلزمه ضمانهم ، كما لو فوت رقهم بفعله .

                                                                                                                                            وفي فدائهم ثلاث مسائل : ( 5260 ) المسألة الأولى في وقته ، وذلك حين وضع الولد . قضى بذلك عمر ، وعلي ، وابن عباس ، رضي الله عنهم وهو قول الشافعي وقال أبو ثور والثوري ، وأصحاب الرأي : يضمنهم بقيمتهم يوم الخصومة ; لأنه إنما يضمنهم بالمنع ، ولم يمنعهم إلا حال الخصومة . ولنا أنه محكوم بحريته عند الوضع ، فوجب أن يضمنه ; لأنه فات رقه من حينئذ ; ولأن القيمة التي تزيد بعد الوضع ، لم تكن مملوكة لمالك الأمة ، فلم يضمنها ، كما بعد الخصومة .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد كان محكوما بحريته ، وهو جنين . قلنا : إلا أنه لم يمكن تضمينه حينئذ ، لعدم قيمته والاطلاع عليه ، فأوجبنا ضمانه في أول حال يمكن تضمينه ، وهو حال الوضع .

                                                                                                                                            ( 5261 ) في صفة الفداء ، وفيها ثلاث روايات ; إحداهن بقيمتهم . وهو قول أكثر الفقهاء ; لقول النبي : صلى الله عليه وسلم { من أعتق شقصا من عبد ، قوم عليه نصيب شريكه . } ولأن الحيوان من المتقومات ، لا من ذوات الأمثال ، فيجب ضمانه بقيمته ، كما لو أتلفه . والثانية : يضمنهم بمثلهم عبيدا ، الذكر بذكر ، والأنثى بأنثى ; لما روى سعيد بن المسيب ، قال : أبقت جارية لرجل من العرب ، وانتمت إلى بعض العرب ، فتزوجها رجل من بني عذرة ، ثم إن سيدها دب ، فاستاقها واستاق ولدها ، فاختصموا إلى عمر رضي الله عنه فقضى للعذري بفداء ولده بغرة ، غرة مكان كل غلام ، ومكان كل جارية بجارية ، وكان عمر يقوم الغرة على أهل القرى ومن لم يجد غرة ستين دينارا .

                                                                                                                                            ولأن ولد المغرور حر ، فلا يضمن بقيمته كسائر الأحرار . فعلى هذه الرواية ينبغي أن ينظر إلى مثلهم في الصفات تقريبا ; لأن الحيوان ليس من ذوات الأمثال

                                                                                                                                            ويحتمل أن يجب مثلهم في القيمة . وهو قول أبي بكر . والثالثة : هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم . قال أحمد ، في رواية الميموني : إما القيمة أو رأس برأس ; لأنهما [ ص: 52 ] جميعا يرويان عن عمر ، ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى .

                                                                                                                                            وهذا اختيار أبي بكر ، وقال في المقنع : الفدية غرة بغرة بقدر القيمة أو القيمة ، وأيهما أعطى أجزأه . ووجه ذلك أنه تردد بين الجنين الذي يضمن بغرة ، وبين إلحاقه بغيره من المضمونات ، فاقتضى التخيير بينهما

                                                                                                                                            . والصحيح أنه يضمن بالقيمة ، كسائر المضمونات المتقومات . وقول عمر قد اختلف عنه فيه ، قال أحمد في رواية أبي طالب : وعليه قيمتهم مثل قول عمر وإذا تعارضت الروايات عنه ، وجب الرجوع إلى القياس . ( 5262 ) المسألة الثالثة : في من يضمن منهم ، وهو من ولد حيا لوقت يعيش لمثله ، سواء عاش أو مات بعد ذلك وقال مالك ، والثوري ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي : لا ضمان على الأب لمن مات منهم قبل الخصومة . وهذا مبني على وقت الضمان ، وقد ذكرناه

                                                                                                                                            فأما السقط ، ومن ولد لوقت لا يعيش لمثله ، وهو دون ستة أشهر ، فلا ضمان ; لأنه لا قيمة له . ( 5263 )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية