الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5264 ) الفصل الخامس : أنه يرجع بما غرمه على من غره ، في المهر وقيمة الأولاد . وهذا اختاره الخرقي ، ورواية عن أحمد قال ابن المنذر كذلك قضى عمر ، وعلي ، وابن عباس وبه قال الشافعي في القديم . والرواية الأخرى : لا يرجع بالمهر . وهو اختيار أبي بكر قال : وهو قول علي وبه قال الثوري ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، والشافعي في الجديد ; لأنه وجب عليه في مقابلة نفع وصل إليه وهو الوطء ، فلم يرجع به ، كما لو اشترى مغصوبا فأكله ، بخلاف قيمة الولد ، فإنها لم تحصل في مقابلة عوض ; لأنها وجبت بحرية الولد ، وحرية الولد للولد لا لأبيه .

                                                                                                                                            قال القاضي : والمذهب أنه يرجع بالمهر ; لأن أحمد قال : كنت أذهب إلى حديث علي ، ثم كأني هبته ، وكأنى أميل إلى حديث عمر يعني في الرجوع . ولأن العاقد ضمن له سلامة الوطء ، كما ضمن له سلامة الولد ، فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع بالمهر . قال : وعلى هذا الأصل يرجع بأجرة الخدمة إذا غرمها ، كما يرجع بالمهر ، ولا أعرف عن أصحابنا بينهما فرقا

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن كان الغرور من السيد فقال : هي حرة . عتقت . وإن كان بلفظ غير هذا ، لم تثبت به الحرية ، فلا شيء له ; لأنه لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه . وإن كان الغرور من وكيله ، رجع عليه في الحال . وإن كان من أجنبي ، رجع عليه أيضا . وإن كان منها ، فليس لها في الحال مال ، فيتخرج فيها وجهان بناء على دين العبد بغير إذن سيده ، هل يتعلق برقبته أو بذمته يتبع به بعد العتق ؟ قال [ ص: 53 ] القاضي : قياس قول الخرقي أنه يتعلق بذمتها ; لأنه قال في الأمة إذا خالعت زوجها بغير إذن سيدها : يتبعها به إذا عتقت

                                                                                                                                            كذا هاهنا ، ويتبعها بجميعه .

                                                                                                                                            وظاهر كلام أحمد ، أن الغرور إذا كان من الأمة ، لم يرجع على أحد ، فإنه قال : إذا جاءت الأمة فقالت : إني حرة . فولت أمرها رجلا ، فزوجها من رجل ، ثم ظهر عليها مولاها ، قال : فكاك ولده على الأب ; لأنه لم يغره أحد . وأما إذا غره رجل ، فزوجها على أنها حرة ، فالفداء على من غره . يروى هذا عن علي ، وإبراهيم وحماد وكذلك قال الشعبي وإن قلنا : يتعلق برقبتها . فالسيد مخير بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها ، أو يسلمها ، فإن اختار فداءها بقيمتها ، سقط قدر ذلك عن الزوج ، فإنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم نرده إليه . وإن اختار تسليمها ، سلمها ، وأخذ ما وجب له . وذكر القاضي أن الغرور الموجب للرجوع أن يكون اشتراط الحرية مقارنا للعقد ، فيقول : زوجتكها على أنها حرة . فإن لم تكن كذلك ، لم تملك الفسخ . وهذا مذهب الشافعي

                                                                                                                                            والصحيح خلاف هذا ، فإن الصحابة الذين قضوا بالرجوع لم يفرقوا بين أنواع الغرور ، ولم يستفصلوا ، والظاهر أن العقد لم يقع هكذا ، ولم تجر العادة به في العقود ، فلا يجوز حمل قضائهم المطلق على صورة نادرة لم تنقل ; ولأن الغرور قد يكون من المرأة ، ولا لفظ لها في العقد ; ولأنه متى أخبره بحريتها ، أو أوهمه ذلك بقرائن تغلب على ظنه حريتها ، فنكحها على ذلك ، ورغب فيها بناء عليه ، وأصدقها صداق الحرائر ، ثم لزمه الغرم ، فقد استضر بناء على قول المخبر له والغار ، فتجب إزالة الضرر عنه ، بإثبات الرجوع على من غره وأضر به

                                                                                                                                            فعلى هذا إن كان الغرور من اثنين أو أكثر ، فالرجوع على جميعهم ، وإن كان الغرر منها ومن الوكيل ، فعلى كل واحد منهما نصفه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية