الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صدق

                                                          صدق : الصدق : نقيض الكذب صدق يصدق صدقا وصدقا وتصداقا . وصدقه : قبل قوله . وصدقه الحديث : أنبأه بالصدق ؛ قال الأعشى :


                                                          فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه

                                                          ويقال : صدقت القوم أي قلت لهم صدقا ، وكذلك من الوعيد إذا أوقعت بهم قلت صدقتهم . ومن أمثالهم : الصدق ينبئ عنك لا الوعيد . ورجل صدوق : أبلغ من الصادق . وفي المثل : صدقني سن بكره ، وأصله أن رجلا أراد بيع بكر له ، فقال للمشتري : إنه جمل ، فقال المشتري : بل هو بكر فبينما هما كذلك إذ ند البكر فصاح به صاحبه : هدع وهذه كلمة يسكن بها صغار الإبل إذا نفرت ، وقيل : يسكن بها البكارة خاصة ، فقال المشتري : صدقني سن بكره . وفي حديث علي رضي الله عنه : صدقني سن بكره ، وهو مثل يضرب للصادق في خبره . والمصدق : الذي يصدقك في حديثك . وكلب تقلب الصاد مع القاف زايا تقول ازدقني أي اصدقني ، وقد بين سيبويه هذا الضرب من المضارعة في باب الإدغام . وقوله تعالى : ليسأل الصادقين عن صدقهم ؛ تأويله ليسأل المبلغين من الرسل عن صدقهم في تبليغهم ؛ وتأويل سؤالهم التبكيت للذين كفروا بهم لأن الله تعالى يعلم أنهم صادقون . ورجل صدق ، وامرأة صدق : وصفا بالمصدر ، وصدق صادق كقولهم شعر شاعر ، يريدون المبالغة والإشارة . والصديق مثال الفسيق : الدائم التصديق ، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل ؛ ذكره الجوهري ولقد أساء التمثيل بالفسيق في هذا المكان . والصديق : المصدق . وفي التنزيل : وأمه صديقة ؛ أي مبالغة في الصدق والتصديق على النسب أي ذات تصديق . وقوله تعالى : والذي جاء بالصدق وصدق به . روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قال : الذي جاء بالصدق محمد ، والذي صدق به أبو بكر رضي الله عنه ، وقيل : جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، وقيل : الذي جاء بالصدق محمد وصدق به المؤمنون . الليث : كل من صدق بكل أمر الله لا يتخالجه في شيء منه شك وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فهو صديق ، وهو قول الله عز وجل : الصديقون والشهداء عند ربهم . والصديق : المبالغ في الصدق . وفلان لا يصدق أثره وأثره كذبا أي إذا قيل له من أين جئت [ ص: 215 ] قال فلم يصدق . ورجل صدق : نقيض رجل سوء ، وكذلك ثوب صدق وخمار صدق ؛ حكاه سيبويه . ويقال : رجل صدق . مضاف بكسر الصاد ومعناه نعم الرجل هو ، وامرأة صدق كذلك فإن جعلته نعتا قلت هو الرجل الصدق ، وهي صدقة وقوم صدقون ونساء صدقات ؛ وأنشد :


                                                          مقذوذة الآذان صدقات الحدق

                                                          أي نافذات الحدق ؛ وقال رؤبة يصف فرسا :


                                                          والمراي الصدق يبلي الصدقا

                                                          وقال الفراء في قوله تعالى : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ؛ قرئ بتخفيف الدال ونصب الظن أي صدق عليهم في ظنه ، ومن قرأ : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ؛ فمعناه أنه حقق ظنه حين قال : ولأضلنهم ولأمنينهم ؛ لأنه قال ذلك ظانا فحققه في الضالين . أبو الهيثم : صدقني فلان أي قال لي الصدق ، وكذبني أي قال لي الكذب . ومن كلام العرب : صدقت الله حديثا إن لم أفعل كذا وكذا ؛ المعنى لا صدقت الله حديثا إن لم أفعل كذا وكذا . والصداقة والمصادقة : المخالة . وصدقه النصيحة والإخاء : أمحضه له . وصادقته مصادقة وصداقا : خاللته ، والاسم الصداقة . وتصادقا في الحديث وفي المودة ، والصداقة مصدر الصديق ، واشتقاقه أنه صدقه المودة والنصيحة . والصديق : المصادق لك ، والجمع صدقاء وصدقان وأصدقاء وأصادق ؛ قال عمارة بن طارق :


                                                          فاعجل بغرب مثل غرب طارق     يبذل للجيران والأصادق

                                                          وقال جرير :


                                                          وأنكرت الأصادق والبلادا

                                                          وقد يكون الصديق جمعا . وفي التنزيل : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ؛ ألا تراه عطفه على الجمع ؟ وقال رؤبة :


                                                          دعها فما النحوي من صديقها

                                                          والأنثى صديق أيضا ؛ قال جميل :


                                                          كأن لم نقاتل يا بثين لو انها     تكشف غماها وأنت صديق

                                                          وقال كثير فيه :


                                                          ليالي من عيش لهونا بوجهه     زمانا وسعدى لي صديق مواصل

                                                          وقال آخر :


                                                          فلو أنك في يوم الرخاء سألتني     فراقك لم أبخل وأنت صديق

                                                          وقال آخر في جمع المذكر :


                                                          لعمري لئن كنتم على النأي والنوى     بكم مثل ما بي إنكم لصديق

                                                          وقيل : صديقة ؛ وأنشد أبو زيد والأصمعي لقعنب بن أم صاحب :


                                                          ما بال قوم صديق ثم ليس لهم     دين وليس لهم عقل إذا اؤتمنوا

                                                          ويقال : فلان صديقي أي أخص أصدقائي ، وإنما يصغر على جهة المدح ، كقول حباب بن المنذر : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، وقد يقال للواحد والجمع المؤنث صديق ؛ قال جرير :


                                                          نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا     بأعين أعداء وهن صديق
                                                          أوانس أما من أردن عناءه     فعان ومن أطلقنه فطليق

                                                          وقال يزيد بن الحكم في مثله :


                                                          ويهجرن أقواما وهن صديق

                                                          والصدق : الثبت اللقاء ، والجمع صدق ، وقد صدق اللقاء صدقا ؛ قال حسان بن ثابت :


                                                          صلى الإله على ابن عمرو إنه     صدق اللقاء وصدق ذلك أوفق

                                                          ورجل صدق اللقاء وصدق النظر وقوم صدق بالضم : مثل : فرس ورد وأفراس ورد وجون وجون . وصدقوهم القتال : أقدموا عليهم عادلوا بها ضدها حين قالوا كذب عنه إذا أحجم ، وحملة صادقة كما قالوا ليست لها مكذوبة ؛ فأما قوله :


                                                          يزيد زاد الله في حياته     حامي نزار عند مزدوقاته

                                                          فإنه أراد مصدوقاته فقلب الصاد زايا لضرب من المضارعة . وصدق الوحشي إذا حملت عليه فعدا ولم يلتفت . وهذا مصداق هذا أي ما يصدقه . ورجل ذو مصدق بالفتح أي صادق الحملة ، يقال ذلك للشجاع الفرس الجواد ، وصادق الجري : كأنه ذو صدق فيما يعدك من ذلك ؛ قال خفاف بن ندبة :


                                                          إذا ما استحمت أرضه من سمائه     جرى وهو مودوع وواعد مصدق

                                                          يقول : إذا ابتلت حوافره من عرق أعاليه جرى ، وهو متروك لا يضرب ، ولا يزجر ويصدقك فيما يعدك البلوغ إلى الغاية ؛ وقول أبي ذؤيب :


                                                          نماه من الحيين قرد ومازن     ليوث غداة البأس بيض مصادق

                                                          يجوز أن يكون جمع صدق على غير قياس كملامح ومشابه ، ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي ذوو مصادق فحذف ، وكذلك الفرس ، وقد يقال ذلك في الرأي . والمصدق أيضا : الجد ، وبه فسر بعضهم قول دريد :


                                                          وتخرج منه ضرة القوم مصدقا     وطول السرى دري عضب مهند

                                                          ويروى ذري . والمصدق : الصلابة عن ثعلب . ومصداق الأمر : حقيقته . والصدق بالفتح : الصلب من الرماح وغيرها . ورمح صدق : مستو ، وكذلك سيف صدق ؛ قال أبو قيس بن الأسلت السلمي :

                                                          [ ص: 216 ]

                                                          صدق حسام وادق حده     ومحنأ أسمر قراع

                                                          قال ابن سيده : وظن أبو عبيد الصدق في هذا البيت الرمح فغلط ؛ وروى الأزهري عن أبي الهيثم أنه أنشده لكعب :


                                                          وفي الحلم إدهان وفي العفو درسة     وفي الصدق منجاة من الشر فاصدق

                                                          قال : الصدق ههنا الشجاعة والصلابة ؛ يقول : إذا صلبت وصدقت انهزم عنك من تصدقه ، وإن ضعفت قوي عليك واستمكن منك ؛ روى ابن بري عن ابن درستويه ، قال : ليس الصدق من الصلابة في شيء ولكن أهل اللغة أخذوه من قول النابغة :


                                                          في حالك اللون صدق غير ذي أود

                                                          قال : وإنما الصدق الجامع للأوصاف المحمودة ، والرمح يوصف بالطول واللين والصلابة ونحو ذلك ، قال الخليل : الصدق الكامل من كل شيء . يقال : رجل صدق ، وامرأة صدقة ، قال ابن درستويه : وإنما هذا بمنزلة قولك : رجل صدق ، وامرأة صدق فالصدق من الصدق بعينه ، والمعنى أنه يصدق في وصفه من صلابة وقوة وجودة ، قال : ولو كان الصدق الصلب لقيل حجر صدق وحديد صدق ، قال : وذلك لا يقال . وصدقات الأنعام : أحد أثمان فرائضها التي ذكرها الله تعالى في الكتاب . والصدقة : ما تصدقت به على الفقراء . والصدقة : ما أعطيته في ذات الله للفقراء . والمتصدق : الذي يعطي الصدقة . والصدقة : ما تصدقت به على مسكين ، وقد تصدق عليه ، وفي التنزيل وتصدق علينا وقيل : معنى تصدق ههنا تفضل بما بين الجيد والرديء كأنهم يقولون : اسمح لنا قبول هذه البضاعة على رداءتها أو قلتها ؛ لأن ثعلبا فسر قوله تعالى : وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا فقال : مزجاة : فيها إغماض ولم يتم صلاحها ، وتصدق علينا ، قال : فصل ما بين الجيد والرديء ، وصدق عليه : كتصدق أراه فعل في معنى تفعل . والمصدق : القابل للصدقة ومررت برجل يسأل ، ولا تقل برجل يتصدق والعامة تقوله ، إنما المتصدق الذي يعطي الصدقة . وقوله تعالى : إن المصدقين والمصدقات ؛ بتشديد الصاد ، أصله المتصدقين فقلبت التاء صادا فأدغمت في مثلها ؛ قال ابن بري : وذكر ابن الأنباري أنه جاء تصدق بمعنى سأل ؛ وأنشد :


                                                          ولو انهم رزقوا على أقدارهم     للقيت أكثر من ترى يتصدق

                                                          وفي الحديث لما قرأ : ولتنظر نفس ما قدمت لغد ؛ قال : تصدق رجل من ديناره ومن درهمه ، ومن ثوبه أي ليتصدق لفظه الخبر ، ومعناه الأمر كقولهم : أنجز حر ما وعد أي لينجز . والمصدق : الذي يأخذ الحقوق من الإبل والغنم . يقال : لا تشتري الصدقة حتى يعقلها المصدق أي يقبضها ، والمعطي متصدق والسائل متصدق هما سواء ؛ قال الأزهري : وحذاق النحويين ينكرون أن يقال للسائل متصدق ولا يجيزونه ؛ قال ذلك الفراء والأصمعي وغيرهما . والمتصدق : المعطي ، قال الله تعالى : وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ؛ ويقال للذي يقبض الصدقات ويجمعها لأهل السهمان مصدق بتخفيف الصاد ، وكذلك الذي ينسب المحدث إلى الصدق مصدق بالتخفيف ، قال الله تعالى : أئنك لمن المصدقين ؛ الصاد خفيفة والدال شديدة ، وهو من تصديقك صاحبك إذا حدثك ، وأما المصدق بتشديد الصاد والدال ، فهو المتصدق أدغمت التاء في الصاد فشددت . قال الله تعالى : إن المصدقين والمصدقات ؛ أي المتصدقين والمتصدقات ، وهم الذين يعطون الصدقات . وفي حديث الزكاة : لا تؤخذ في الصدقة هرمة ، ولا تيس إلا أن يشاء المصدق . رواه أبو عبيد بفتح الدال والتشديد ، يريد صاحب الماشية الذي أخذت صدقة ماله ، وخالفه عامة الرواة ، فقالوا بكسر الدال ، وهو عامل الزكاة الذي يستوفيها من أربابها صدقهم يصدقهم ، فهو مصدق ، وقال أبو موسى : الرواية بتشديد الصاد والدال معا وكسر الدال ، وهو صاحب المال ، وأصله المتصدق فأدغمت التاء في الصاد والاستثناء من التيس خاصة فإن الهرمة وذات العوار لا يجوز أخذهما في الصدقة إلا أن يكون المال كله ، كذلك عند بعضهم ، وهذا إنما يتجه إذا كان الغرض من الحديث النهي عن أخذ التيس ؛ لأنه فحل المعز ، وقد نهي عن أخذ الفحل في الصدقة ؛ لأنه مضر برب المال ؛ لأنه يعز عليه إلا أن يسمح به فيؤخذ ؛ قال ابن الأثير : والذي شرحه الخطابي في المعالم أن المصدق بتخفيف الصاد العامل ، وأنه وكيل الفقراء في القبض فله أن يتصرف لهم بما يراه مما يؤدي إليه اجتهاده . والصدقة والصدقة والصدقة والصدقة بالضم وتسكين الدال والصدقة والصداق والصداق : مهر المرأة ، وجمعها في أدنى العدد أصدقة ، والكثير صدق ، وهذان البناءان إنما هما على الغالب . وقد أصدق المرأة حين تزوجها أي جعل لها صداقا ، وقيل : أصدقها سمى لها صداقا . أبو إسحاق في قوله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ؛ الصدقات جمع الصدقة ، ومن قال صدقة ، قال صدقاتهن ، قال : ولا يقرأ من هذه اللغات بشيء ؛ لأن القراءة سنة . وفي حديث عمر رضي الله عنه : لا تغالوا في الصدقات ؛ هي جمع صدقة ، وهو مهر المرأة ، وفي رواية : لا تغالوا في صدق النساء ، جمع صداق . وفي الحديث : وليس عند أبوينا ما يصدقان عنا أي يؤديان إلى أزواجنا الصداق . والصيدق على مثال صيرف : النجم الصغير اللاصق بالوسطى من بنات نعش الكبرى ؛ عن كراع ، وقال شمر : الصيدق الأمين ؛ وأنشد قول أمية :


                                                          فيها النجوم تطيع غير مراحة     ما قال صيدقها الأمين الأرشد

                                                          وقال أبو عمرو : الصيدق القطب ، وقيل الملك ، وقال يعقوب : هي الصندوق ، والجمع الصناديق .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية