الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 247 ] شرح إعراب سورة الضحى

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        قال الفراء : والضحى [1] النهار كله.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : والمعروف عند العرب ما رواه أبو روق ، عن الضحاك قال: الضحى ضحى النهار.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : قال محمد بن يزيد : والضحى يكتب بالألف لا غير؛ لأنه من ضحا يضحو.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : وقول الكوفيين إنه بالياء لضم أوله، وهذا قول لا يصح في معقول ولا قياس؛ لأنه إن كتب على اللفظ فلفظه الألف وإن كتب على المعنى فهو راجع إلى الواو، وعلى أنه قد حدثنا علي بن سليمان قال: سمعت محمد بن يزيد يقول: لا يجوز أن يكتب شيء من ذوات الياء مثل رمى وقضى إلا بالألف، والعلة في ذلك بينة من جهة المعقول والقياس واللغة؛ لأنا قد عقلنا أن الكتابة إنما هي نقل ما في اللفظ، كما أن اللفظ نقل ما في القلب، فإذا قلنا: رمى فليس في اللفظ إلا الألف، فإن قيل: أصلها الياء فكتبها بالياء قيل: هذا خطأ من غير جهة، فمنها أنه لو وجب أن تكتب على أصلها لوجب أن تكتب غزا بالواو؛ لأن أصلها الواو، وأيضا فقد أجمعوا على أن كتبوا رماه بالألف، والألف منقلبة من ياء، وهذه مناقضة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 248 ] وأيضا فإن في هذا بابا من الإشكال؛ لأنه يجوز أن يقال: رمي ثم نقضوا هذا كله فكتبوا ذوات الواو بالياء، نحو: ضحى وكسى ( جمع كسوة).

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو إسحاق : وهذا معنى كلامه، وما أعظم هذا الخطأ، يعني قولهم: ( يكتب ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالألف ) فلا هم اتبعوا اللفظ كما يجب في الخط، ولا هم اتبعوا المصحف، فقد كتب في المصحف ( ما زكى ) بالياء.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو إسحاق : وأعظم من خطئهم في الخط خطؤهم في التثنية؛ لأنهم يثنون ربا ربيان، وهذا مخالف على كتاب الله جل وعز قال: ( وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) أي فجاء القرآن بالواو وجاءوا هم بالياء.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول: قلت لأبي العباس محمد بن يزيد : لما احتج بهذه الحجج التي لا تدفع، ما هذا الذي قد وقع للكتاب وأنس به الخاص والعام من كتب ذوات الياء بالياء حتى صار التعارف عليه؟ فقال: الأصل في هذا أن أبا الحسن الأخفش كان رجلا محتالا لشيء يأخذه، فقال لأبي الحسن الكسائي : قد استغنى من نحتاج إليه من النحو، فنحتاج أن نجتمع على شيء نضطرهم إليه، فاتفقا على هذا وأحدثاه، ولم يكن قبلهما، وشاع في الناس لتمكن الكسائي من السلطان.

                                                                                                                                                                                                                                        ولعل بعض من لا يحصل يتوهم أن هذا مذهب سيبويه ؛ لأنه أشكل عليه شيء من كلامه في مثله، قوله: الياء في مثل سكرى، وإنما أراد سيبويه أنها تثنى بالياء، وليس من كلام سيبويه الاعتلال في الخطوط.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : ثم رجعنا [ ص: 249 ] إلى الإمالة، فحمزة يميل ما كان من ذوات الياء، ويفخم ما كان من ذوات الواو، والكسائي يميل الكل، وأبو عمرو بن العلاء يتبع بعض الكلام بعضا، فإن كانت السورة فيها ذوات الياء وذوات الواو أمال الكل، والمدنيون يتوسطون فلا يميلون كل الميل ولا يفخمون كل التفخيم.

                                                                                                                                                                                                                                        قال أبو جعفر : وليس في هذه المذاهب خطأ؛ لأن ذوات الواو في الأفعال جائز إمالتها؛ لأنها ترجع إلى الياء، فيجوز والضحى ( والليل إذا سجا ) [2] ممالا، وإن كان يقال: سجا يسجو؛ لأنه يرجع إلى الياء في قولك: سجيت.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية