الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صرف

                                                          صرف : الصرف : رد الشيء عن وجهه ، صرفه يصرفه صرفا فانصرف . وصارف نفسه عن الشيء : صرفها عنه . وقوله تعالى : ثم انصرفوا ؛ أي رجعوا عن المكان الذي استمعوا فيه ، وقيل : انصرفوا عن العمل بشيء مما سمعوا . صرف الله قلوبهم ؛ أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم ، وصرفت الرجل عني فانصرف ، والمنصرف : قد يكون مكانا ، وقد يكون مصدرا ، وقوله عز وجل : سأصرف عن آياتي ؛ أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي . وقوله عز [ ص: 229 ] وجل : فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ؛ أي ما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ، ولا أن ينصروا أنفسهم . قال يونس : الصرف الحيلة ، وصرفت الصبيان : قلبتهم . وصرف الله عنك الأذى ، واستصرفت الله المكاره . والصريف : اللبن الذي ينصرف به عن الضرع حارا . والصرفان : الليل والنهار . والصرفة : منزل من منازل القمر نجم واحد نير تلقاء الزبرة ، خلف خراتي الأسد . يقال : إنه قلب الأسد إذا طلع أمام الفجر فذلك الخريف ، وإذا غاب مع طلوع الفجر فذلك أول الربيع ، والعرب تقول : الصرفة ناب الدهر ؛ لأنها تفتر عن البرد أو عن الحر في الحالتين ، قال ابن كناسة : سميت بذلك لانصراف البرد وإقبال الحر ، وقال ابن بري : صوابه أن يقال سميت بذلك لانصراف الحر وإقبال البرد . والصرفة : خرزة من الخرز التي يذكر في الأخذ ؛ قال ابن سيده : يستعطف بها الرجال يصرفون بها عن مذاهبهم ووجوههم ؛ عن اللحياني ؛ قال ابن جني : وقول البغداديين في قولهم : ما تأتينا فتحدثنا ، تنصب الجواب على الصرف ، كلام فيه إجمال بعضه صحيح وبعضه فاسد ، أما الصحيح فقولهم الصرف أن يصرف الفعل الثاني عن معنى الفعل الأول ، قال : وهذا معنى قولنا إن الفعل الثاني يخالف الأول ، وأما انتصابه بالصرف فخطأ ؛ لأنه لا بد له من ناصب مقتض له ؛ لأن المعاني لا تنصب الأفعال ، وإنما ترفعها ، قال : والمعنى الذي يرفع الفعل هو وقوع الاسم ، وجاز في الأفعال أن يرفعها المعنى ، كما جاز في الأسماء أن يرفعها المعنى لمضارعة الفعل للاسم ، وصرف الكلمة إجراؤها بالتنوين . وصرفنا الآيات ؛ أي بيناها . وتصريف الآيات تبيينها . والصرف : أن تصرف إنسانا عن وجه يريده إلى مصرف غير ذلك . وصرف الشيء : أعمله في غير وجه كأنه يصرفه عن وجه إلى وجه وتصرف هو . وتصاريف الأمور : تخاليفها ومنه تصاريف الرياح والسحاب . الليث : تصريف الرياح صرفها من جهة إلى جهة ، وكذلك تصريف السيول والخيول والأمور والآيات ، وتصريف الرياح : جعلها جنوبا وشمالا وصبا ودبورا فجعلها ضروبا في أجناسها . وصرف الدهر : حدثانه ونوائبه . والصرف : حدثان الدهر اسم له ؛ لأنه يصرف الأشياء عن وجوهها ، وقول صخر الغي :

                                                          عاودني حبها وقد شحطت صرف نواها فإنني كمد أنث الصرف لتعليقه بالنوى ، وجمعه صروف . أبو عمرو : الصريف الفضة ؛ وأنشد :


                                                          بني غدانة حقا لستم ذهبا ولا صريفا ولكن أنتم خزف

                                                          وهذا البيت أورده الجوهري :


                                                          بني غدانة ما إن أنتم ذهبا     ولا صريفا ولكن أنتم خزف

                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده : ما إن أنتم ذهب ؛ لأن زيادة إن تبطل عمل ما . والصرف : فضل الدرهم على الدرهم والدينار على الدينار ؛ لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه . والصرف : بيع الذهب بالفضة ، وهو من ذلك لأنه ينصرف به عن جوهر إلى جوهر . والتصريف في جميع البياعات : إنفاق الدراهم . والصراف والصيرف والصيرفي : النقاد من المصارفة ، وهو من التصرف ، والجمع صيارف وصيارفة والهاء للنسبة ، وقد جاء في الشعر الصيارف ، فأما قول الفرزدق :


                                                          تنفي يداها الحصى في كل هاجرة     نفي الدراهم تنقاد الصياريف

                                                          فعلى الضرورة لما احتاج إلى تمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفا ؛ وبعكسه :


                                                          والبكرات الفسج العطامسا

                                                          ويقال : صرفت الدراهم بالدنانير . وبين الدرهمين صرف أي فضل لجودة فضة أحدهما . ورجل صيرف : متصرف في الأمور ؛ قال أمية بن أبي عائذ الهذلي :


                                                          قد كنت خراجا ولوجا صيرفا     لم تلتحصني حيص بيص لحاص

                                                          أبو الهيثم : الصيرف والصيرفي المحتال المتقلب في أموره المتصرف في الأمور المجرب لها ؛ قال سويد بن أبي كاهل اليشكري :


                                                          ولسانا صيرفيا صارما     كحسام السيف ما مس قطع

                                                          والصرف : التقلب والحيلة . يقال : فلان يصرف ويتصرف ويصطرف لعياله أي يكتسب لهم . وقولهم : لا يقبل له صرف ولا عدل الصرف : الحيلة ، ومنه التصرف في الأمور . يقال : إنه يتصرف في الأمور . وصرفت الرجل في أمري تصريفا فتصرف فيه واصطرف في طلب الكسب ؛ قال العجاج :


                                                          قد يكسب المال الهدان الجافي     بغير ما عصف ولا اصطراف

                                                          والعدل : الفداء ؛ ومنه قوله تعالى : وإن تعدل كل عدل ؛ وقيل : الصرف التطوع والعدل الفرض ، وقيل : الصرف التوبة والعدل الفدية ، وقيل : الصرف الوزن والعدل الكيل ، وقيل : الصرف القيمة والعدل المثل ، وأصله في الفدية ، يقال : لم يقبلوا منهم صرفا ولا عدلا أي لم يأخذوا منهم دية ولم يقتلوا بقتيلهم رجلا واحدا أي طلبوا منهم أكثر من ذلك ، قال : كانت العرب تقتل الرجلين والثلاثة بالرجل الواحد ، فإذا قتلوا رجلا برجل فذلك العدل فيهم ، وإذا أخذوا دية فقد انصرفوا عن الدم إلى غيره فصرفوا ذلك صرفا ، فالقيمة صرف ؛ لأن الشيء يقوم بغير صفته ، ويعدل بما كان في صفته ، قالوا : ثم جعل بعد في كل شيء حتى صار مثلا فيمن لم يؤخذ منه الشيء الذي يجب عليه ، وألزم أكثر منه . وقوله تعالى : ولم يجدوا عنها مصرفا ؛ أي معدلا ؛ قال :


                                                          أزهير هل عن شيبة من مصرف ؟

                                                          أي معدل ؛ وقال ابن الأعرابي : الصرف الميل والعدل الاستقامة . وقال ثعلب : الصرف ما يتصرف به والعدل الميل ، وقيل الصرف [ ص: 230 ] الزيادة والفضل وليس هذا بشيء . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المدينة ، فقال : من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا لا يقبل منه صرف ولا عدل ؛ قال مكحول : الصرف التوبة والعدل الفدية . قال أبو عبيد : وقيل الصرف النافلة والعدل الفريضة . وقال يونس : الصرف الحيلة ، ومنه قيل : فلان يتصرف أي يحتال . قال الله تعالى : فما تستطيعون صرفا ولا نصرا . وصرف الحديث : تزيينه والزيادة فيه . وفي حديث أبي إدريس الخولاني أنه قال : " من طلب صرف الحديث يبتغي به إقبال وجوه الناس إليه لم يرح رائحة الجنة " أخذ من صرف الدراهم ، والصرف : الفضل ، يقال : لهذا صرف على هذا أي فضل ، قال ابن الأثير : أراد بصرف الحديث ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة ، وإنما كره ذلك لما يدخله من الرياء والتصنع ، ولما يخالطه من الكذب والتزيد ، والحديث مرفوع من رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود . ويقال : فلان لا يحسن صرف الكلام أي فضل بعضه على بعض ، وهو من صرف الدراهم ، وقيل لمن يميز : صيرف وصيرفي . وصرف لأهله يصرف واصطرف : كسب وطلب واحتال ؛ عن اللحياني . والصراف : حرمة كل ذات ظلف ومخلب ، صرفت تصرف صروفا وصرافا ، وهي صارف . وكلبة صارف بينة الصراف إذا اشتهت الفحل . ابن الأعرابي : السباع كلها تجعل وتصرف إذا اشتهت الفحل ، وقد صرفت صرافا ، وهي صارف ، وأكثر ما يقال ذلك كله للكلبة . وقال الليث : الصراف حرمة الشاء والكلاب والبقر . والصريف : صوت الأنياب والأبواب . وصرف الإنسان والبعير نابه وبنابه يصرف صريفا : حرقه فسمعت له صوتا ، وناقة صروف بينة الصريف . وصريف الفحل : تهدره . وما في فمه صارف أي ناب . وصريف القعو : صوته . وصريف البكرة : صوتها ند الاستقاء . وصريف القلم والباب ونحوهما : صريرهما . ابن خالويه : صريف ناب الناقة يدل على كلالها وناب البعير على قطمه وغلمته ؛ وقول النابغة :


                                                          مقذوفة بدخيس النحض بازلها     له صريف صريف القعو بالمسد

                                                          هو وصف لها بالكلال . وفي الحديث : أنه دخل حائطا من حوائط المدينة ، فإذا فيه جملان يصرفان ويوعدان فدنا منهما فوضعنا جرنهما ؛ قال الأصمعي : إذا كان الصريف من الفحولة فهو من النشاط ، وإذا كان من الإناث فهو من الإعياء . وفي حديث علي : لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحدثان . وفي الحديث : أسمع صريف الأقلام أي صوت جريانها بما تكتبه من أقضية الله ووحيه ، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ . وفي حديث موسى على نبينا وعليه السلام : أنه كان يسمع صريف القلم حين كتب الله تعالى له التوراة ؛ وقول أبي خراش :


                                                          مقابلتين شدهما طفيل     بصرافين عقدهما جميل

                                                          عنى بالصرافين شراكين لهما صريف . والصرف : الخالص من كل شيء . وشراب صرف أي بحت لم يمزج ، وقد صرفه صروفا ، قال الهذلي :


                                                          إن يمس نشوان بمصرفة     منها بري وعلى مرجل

                                                          وصرفه وأصرفه : كصرفه ؛ الأخيرة عن ثعلب ، وصريفون : موضع بالعراق ؛ قال الأعشى :


                                                          وتجبى إليه السيلحون ودونها     صريفون في أنهارها والخورنق

                                                          قال : والصريفية من الخمر منسوبة إليه . والصريف الخمر الطيبة ، وقال في قول الأعشى :


                                                          صريفية طيب طعمها     لها زبد بين كوب ودن

                                                          قال بعضهم : جعلها صريفية ؛ لأنها أخذت من الدن ساعتئذ كاللبن الصريف ، وقيل : نسب إلى صريفين ، وهو نهر يتخلج من الفرات . والصريف : الخمر التي لم تمزج بالماء ، وكذلك كل شيء لا خلط فيه ؛ وقال الباهلي في قول المتنخل :


                                                          إن يمس نشوان بمصروفة

                                                          قال : بمصروفة أي بكأس شربت صرفا ، على مرجل أي على لحم طبخ في مرجل ، وهي القدر . وتصريف الخمر : شربها صرفا . والصريف : اللبن الذي ينصرف عن الضرع حارا إذا حلب ، فإذا سكنت رغوته فهو الصريح ، ومنه حديث الغار : ويبيتان في رسلها وصريفها ؛ الصريف : اللبن ساعة يصرف عن الضرع ، وفي حديث سلمة بن الأكوع :


                                                          لكن غذاها اللبن الخريف     المحض والقارص والصريف

                                                          وحديث عمرو بن معد يكرب : أشرب التبن من اللبن رثيئة أو صريفا . والصرف بالكسر : شيء يدبغ به الأديم ؛ وفي الصحاح : صبغ أحمر تصبغ به شرك النعال ؛ قال ابن كلحبة اليربوعي ، واسمه هبيرة بن عبد مناف ، ويقال سلمة بن خرشب الأنماري ؛ قال ابن بري : والصحيح أنه هبيرة بن عبد مناف ، وكلحبة اسم أمه ، فهو ابن كلحبة أحد بني عرين بن ثعلبة بن يربوع ، ويقال له الكلحبة ، وهو لقب له ، فعلى هذا يقال ، وقال الكلحبة اليربوعي :


                                                          كميت غير محلفة ولكن     كلون الصرف عل به الأديم

                                                          يعني أنها خالصة الكمتة كلون الصرف ، وفي المحكم : خالصة اللون لا يحلف عليها أنها ليست كذلك . قال : والكميت المحلف الأحم والأحوى ، وهما يشتبهان حتى يحلف إنسان أنه كميت أحم ، ويحلف الآخر أنه كميت أحوى . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم في ظل الكعبة فاستيقظ محمارا وجهه كأنه الصرف هو بالكسر شجر أحمر . ويسمى الدم والشراب إذا لم يمزجا صرفا . والصرف : الخالص من كل شيء . وفي حديث جابر رضي الله عنه : تغير وجهه حتى صار كالصرف . [ ص: 231 ] وفي حديث علي كرم الله وجهه : لتعركنكم عرك الأديم الصرف أي الأحمر . والصريف : السعف اليابس ، الواحدة صريفة ، حكى ذلك أبو حنيفة ؛ وقال مرة : هو ما يبس من الشجر مثل الضريع ، وقد تقدم . ابن الأعرابي : أصرف الشاعر شعره يصرفه إصرافا إذا أقوى فيه وخالف بين القافيتين ؛ يقال : أصرف الشاعر القافية ؛ قال ابن بري : ولم يجئ أصرف غيره ؛ وأنشد :


                                                          بغير مصرفة القوافي

                                                          ابن بزرج : أكفأت الشعر إذا رفعت قافية وخفضت أخرى أو نصبتها ، وقال : أصرفت في الشعر مثل الإكفاء . ويقال : صرفت فلانا ، ولا يقال أصرفته . وقوله في حديث الشفعة : إذا صرفت الطرق فلا شفعة أي بينت مصارفها وشوارعها كأنه من التصرف والتصريف . والصرفان : ضرب من التمر ، واحدته صرفانة ؛ وقال أبو حنيفة : الصرفانة تمرة حمراء مثل البرنية إلا أنها صلبة الممضغة علكة ، قال : وهي أرزن التمر كله ؛ وأنشد ابن بري للنجاشي :


                                                          حسبتم قتال الأشعرين ومذحج     وكندة أكل الزبد بالصرفان

                                                          وقال عمران الكلبي :


                                                          أكنتم حسبتم ضربنا وجلادنا     على الحجر أكل الزبد بالصرفان

                                                          وفي حديث وفد عبد القيس : أتسمون هذا الصرفان ؟ هو ضرب من أجود التمر وأوزنه . والصرفان : الرصاص القلعي والصرفان : الموت ؛ ومنهما قول الزباء الملكة :


                                                          ما للجمال مشيها وئيدا     أجندلا يحملن أم حديدا
                                                          أم صرفانا باردا شديدا     أم الرجال جثما قعودا

                                                          قال أبو عبيد : ولم يكن يهدى لها شيء أحب إليها من التمر الصرفان ؛ وأنشد :


                                                          ولما أتتها العير قالت أبارد     من التمر أم هذا حديد وجندل

                                                          والصرفي ضرب من النجائب منسوبة وقيل بالدال ، وهو الصحيح ، وقد تقدم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية