الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          صري

                                                          صري : صرى الشيء صريا : قطعه ودفعه ؛ قال ذو الرمة :


                                                          فودعن مشتاقا أصبن فؤاده هواهن إن لم يصره الله قاتله

                                                          وفي الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن آخر من يدخل الجنة لرجل يمشي على الصراط فينكب مرة ويمشي مرة وتسفعه النار ، فإذا جاوز الصراط ترفع له شجرة فيقول : يا رب أدنني منها فيقول الله عز وجل : أي عبدي ما يصريك مني ؟ قال أبو عبيد : قوله : ما يصريك ما يقطع مسألتك عني ويمنعك من سؤالي . يقال : صريت الشيء إذا قطعته ، ومنعته . ويقال : صرى الله عنك شر فلان أي دفعه ؛ وأنشد ابن بري للطرماح :


                                                          ولو أن الظعائن عجن يوما     علي ببطن ذي نفر صراني

                                                          أي دفع عني ووقاني . وصريته : منعته ، قال ابن مقبل :


                                                          ليس الفؤاد براء أرضها أبدا     وليس صاريه من ذكرها صار

                                                          وصريت ما بينهم صريا أي فصلت . يقال : اختصمنا إلى الحاكم فصرى ما بيننا أي قطع ما بيننا وفصل . وصريت الماء إذا استقيت ثم قطعت . والصاري : الحافظ . وصراه الله : وقاه ، وقيل : حفظه ، وقيل : نجاه وكفاه ، وكل ذلك قريب بعضه من بعض . وصرى أيضا : نجى ؛ قال الشاعر :


                                                          صرى الفحل مني أن ضئيل سنامه     ولم يصر ذات الني منها بروعها

                                                          وصرى ما بيننا يصري صريا : أصلح . والصرى والصرى : الماء الذي طال استنقاعه ، وقال أبو عمرو : إذا طال مكثه وتغير ، وقد صري الماء بالكسر ؛ قال ابن بري : ومنه قول ذي الرمة :


                                                          صرى آجن يزوي له المرء وجهه     إذا ذاقه ظمآن في شهر ناجر

                                                          وأنشد لذي الرمة أيضا :


                                                          وماء صرى عافي الثنايا كأنه     من الأجن أبوال المخاض الضوارب

                                                          ونطفة صراة : متغيرة . وصرى فلان الماء في ظهره زمانا صريا : حبسه بامتساكه عن النكاح ، وقيل جمعه . ونطفة صراة : صراها صاحبها في ظهره زمانا ؛ قال الأغلب العجلي :


                                                          رب غلام قد صرى في فقرته     ماء الشباب عنفوان سنبته
                                                          أنعظ حتى اشتد سم سمته

                                                          ويروى : رأت غلاما ، وقيل : صرى أي اجتمع ، والأصل صري ، فقلبت الياء ألفا ، كما يقال بقى في بقي . المنتجع : الصريان من الرجال والدواب الذي قد اجتمع الماء في ظهره ؛ وأنشد :


                                                          فهو مصك صميان صريان

                                                          أبو عمرو : ماء صرى وصرى ، وقد صري يصرى . والصرى : اللبن الذي قد بقي فتغير طعمه ، وقيل : هو بقية اللبن ، وقد صري صرى ، فهو صر كالماء . وصريت الناقة صرى وأصرت : تحفل لبنها في ضرعها ؛ وأنشد :


                                                          من للجعافر يا قومي فقد صريت     وقد يساق لذات الصرية الحلب

                                                          الليث : صري اللبن يصرى في الضرع إذا لم يحلب ففسد طعمه ، وهو لبن صرى . وفي حديث أبي موسى أن رجلا استفتاه ، فقال : امرأتي صري لبنها في ثديها فدعت جارية لها فمصته ، فقال : حرمت عليك . أي اجتمع في ثديها حتى فسد طعمه ، وتحريمها على رأي من يرى أن إرضاع الكبير يحرم . وصريت الناقة وغيرها من ذوات اللبن وصريتها وأصريتها : حفلتها . وناقة صرياء : محفلة ، وجمعها صرايا على غير قياس . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم : من اشترى مصراة فهو بخير النظرين ، إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ؛ قال أبو عبيد : المصراة هي الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها أي يجمع ويحبس ، يقال منه : صريت الماء وصريته . وقال ابن بزرج : صرت الناقة تصري من الصري ، وهو جمع اللبن في الضرع . وصريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما حتى يجتمع اللبن في [ ص: 235 ] ضرعها والشاة مصراة . قال ابن بري : ويقال ناقة صرياء وصرية ؛ وأنشد أبو عمرو لمغلس الأسدي :


                                                          ليالي لم تنتج عذام خلية     تسوق صريا في مقلدة صهب

                                                          قال : وقال ابن خالويه الصرية اجتماع اللبن ، وقد تكسر الصاد والفتح أجود . وروى ابن بري ، قال : ذكر الشافعي رضي الله عنه المصراة وفسرها أنها التي تصر أخلافها ، ولا تحلب أياما حتى يجتمع اللبن في ضرعها ، فإذا حلبها المشتري استغزرها . قال : وقال الأزهري جائز أن تكون سميت مصراة من صر أخلافها ، كما ذكر إلا أنهم لما اجتمع لهم في الكلمة ثلاث راءات قلبت إحداها ياء ، كما قالوا تظنيت في تظننت ، ومثله تقضى البازي في تقضض والتصدي في تصدد وكثير من أمثال ذلك ، أبدلوا من أحد الأحرف المكررة ياء كراهية لاجتماع الأمثال ، قال : وجائز أن تكون سميت مصراة من الصري ، وهو الجمع كما سبق ، قال : وإليه ذهب الأكثرون ، وقد تكررت هذه اللفظة في أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : لا تصروا الإبل والغنم فإن كان من الصر ، فهو بفتح التاء وضم الصاد ، وإن كان من الصري ، فيكون بضم التاء وفتح الصاد ؛ وإنما نهى عنه لأنه خداع وغش . ابن الأعرابي : قيل لابنة الخس : أي الطعام أثقل ؟ فقالت : بيض نعام وصرى عام بعد عام . أي ناقة تغرزها عاما بعد عام : الصرى اللبن يترك في ضرع الناقة فلا يحتلب فيصير ملحا ذا رياح . ورد أبو الهيثم على ابن الأعرابي قوله : صرى عام بعد عام ، وقال : كيف يكون هذا والناقة إنما تحلب ستة أشهر أو سبعة أشهر في كلام طويل قد وهم في أكثره ؛ قال الأزهري : والذي قال ابن الأعرابي صحيح ، قال : ورأيت العرب يحلبون الناقة من يوم تنتج سنة إذا لم يحملوا الفحل عليها كشافا ثم يغرزونها بعد تمام السنة ليبقى طرقها ، وإذا غرزوها ولم يحتلبوها ، وكانت السنة مخصبة تراد اللبن في ضرعها فخثر وخبث طعمه فامسخ ، قال : ولقد حلبت ليلة من الليالي ناقة مغرزة فلم يتهيأ لي شرب صراها لخبث طعمه ودفقته ، وإنما أرادت ابنة الخس بقولها : صرى عام بعد عام لبن عام استقبلته بعد انقضاء عام نتجت فيه ، ولم يعرف أبو الهيثم مرادها ولم يفهم منه ما فهمه ابن الأعرابي فطفق يرد على من عرفه بتطويل لا معنى فيه . وصرى بوله صريا إذا قطعه . وصري فلان في يد فلان إذا بقي في يده رهنا محبوسا ؛ قال رؤبة :


                                                          رهن الحروريين قد صريت

                                                          والصرى : ما اجتمع من الدمع ، واحدته صراة . وصري الدمع إذا اجتمع فلم يجر ، وقالت خنساء :


                                                          فلم أملك غداة نعي صخر     سوابق عبرة حلبت صراها

                                                          ابن الأعرابي : صرى يصري إذا قطع ، وصرى يصري إذا عطف ، وصرى يصري إذا تقدم ، وصرى يصري إذا تأخر ، وصرى يصري إذا علا ، وصرى يصري إذا سفل ، وصرى يصري إذا أنجى إنسانا من هلكة وأغاثه ؛ وأنشد :


                                                          أصبحت لحم ضباع الأرض مقتسما     بين الفراعل إن لم يصرني الصاري

                                                          وقال آخر في صرى إذا سفل :


                                                          والناشيات الماشيات الخيزرى

                                                          وفي الحديث : أنه مسح بيده النصل الذي بقي في لبة رافع بن خديج وتفل عليه فلم يصر أي لم يجمع المدة . وفي حديث عرض نفسه على القبائل : وإنما نزلنا الصريين اليمامة والسمامة ؛ هما تثنية صرى ، ويروى الصيرين ، وهو مذكور في موضعه . وكل ماء مجتمع صرى ، ومنه الصراة ؛ وقال :


                                                          كعنق الآرام أوفى أو صرى

                                                          قال : أوفى علا وصرى سفل ؛ وأنشد في عطف :


                                                          وصرين بالأعناق في مجدولة     وصل الصوانع نصفهن جديدا

                                                          قال ابن بزرج : صرت الناقة عنقها إذا رفعته من ثقل الوقر ؛ وأنشد :


                                                          والعيس بين خاضع وصاري

                                                          والصراة : نهر معروف ، وقيل : هو نهر بالعراق ، وهي العظمى والصغرى .

                                                          والصراية : نقيع ماء الحنظل . الأصمعي : إذا اصفر الحنظل ، فهو الصراء ممدود ، وروي قول امرئ القيس :


                                                          كأن سراته لدى البيت قائما     مداك عروس أو صراية حنظل

                                                          والصراية : الحنظلة إذا اصفرت ، وجمعها صراء وصرايا . قال ابن الأعرابي : أنشد أبو محضة أبياتا ، ثم قال : هذه بصراهن وبطراهن ، قال أبو تراب : وسألت الحصيني عن ذلك ، فقال : هذه الأبيات بطراوتهن وصراوتهن أي بجدتهن وغضاضتهن ؛ قال العجاج :


                                                          قرقور ساج ساجه مصلي     بالقير والضباب زنبري
                                                          رفع من جلاله الداري     ومده إذ عدل الخلي
                                                          جل وأشطان وصراري     ودقل أجرد شوذبي

                                                          وقال سليك بن السلكة :


                                                          كأن مفالق الهامات منهم     صرايات تهادتها الجواري

                                                          قال بعضهم : الصراية نقيع الحنظل . وفي نوادر الأعراب : الناقة في فخاذها ، وقد أفخذت ، يعني في إلبائها ، وكذلك هي في إحداثها وصراها . والصرى : أن تحمل الناقة اثني عشر شهرا فتلبئ فذلك الصرى ، وهذا الصرى غير ما قاله ابن الأعرابي فالصرى وجهان . والصارية من الركايا : البعيدة العهد بالماء ، فقد أجنت وعرمضت . والصاري : الملاح ، وجمعه صر على غير قياس ، وفي المحكم : والجمع صراء وصراري وصراريون كلاهما جمع الجمع ، قال :

                                                          [ ص: 236 ]

                                                          جذب الصراريين بالكرور

                                                          وقد تقدم أن الصراري واحد في ترجمة صرر ؛ قال الشاعر :


                                                          خشي الصراري صولة     منه فعاذوا بالكلاكل

                                                          وصاري السفينة : الخشبة المعترضة في وسطها . وفي حديث ابن الزبير وبناء البيت : فأمر بصوار فنصبت حول الكعبة هي جمع الصاري ، وهو دقل السفينة الذي ينصب في وسطها قائما ، ويكون عليه الشراع . وفي حديث الإسراء في فرض الصلاة : علمت أنها فرض الله صرى أي حتم واجب ، وقيل : هي مشتقة من صرى إذا قطع ، وقيل : من أصررت على الشيء إذا لزمته فإن كان هذا فهو من الصاد والراء المشددة . وقال أبو موسى : هو صري بوزن جني ، وصري العزم : ثابته ومستقره ، قال : ومن الأول حديث أبي سمال الأسدي وقد ضلت ناقته ، فقال : أيمنك لئن لم تردها علي لا عبدتك فأصابها وقد تعلق زمامها بعوسجة فأخذها ، وقال : علم ربي أنها مني صرى أي عزيمة قاطعة ويمين لازمة . التهذيب في قوله تعالى : فصرهن إليك ؛ قال : فسروه كلهم فصرهن أملهن ، قال : وأما فصرهن بالكسر ، فإنه فسر بمعنى قطعهن ، قال : ولم نجد قطعهن معروفة ، قال : وأراها إن كانت كذلك من صريت أصري أي قطعت ، فقدمت ياؤها وقلب ، وقيل : صرت أصير ، كما قالوا عثيت أعثي وعثت أعيث بالعين من قولك : عثت في الأرض أي أفسدت .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية