الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5328 ) فصل : ويحوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفين [ ص: 75 ] والقدمين ونحو ذلك وليس له النظر إلى ما يستتر غالبا ، كالصدر والظهر ونحوهما . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن الرجل ينظر إلى شعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه . فقال : هذا في القرآن : { ولا يبدين زينتهن } إلا لكذا وكذا قلت : ينظر إلى ساق امرأة أبيه وصدرها قال : لا ما يعجبني ثم قال : أنا أكره أن ينظر من أمه وأخته إلى مثل هذا ، وإلى كل شيء لشهوة . وذكر القاضي أن حكم الرجل مع ذوات محارمه حكم الرجل مع الرجل ، والمرأة مع المرأة . وقال أبو بكر : كراهية أحمد النظر إلى ساق أمه وصدرها على التوقي ; لأن ذلك يدعو إلى الشهوة يعني أنه يكره ولا يحرم . ومنع الحسن والشعبي والضحاك ، النظر إلى شعر ذوات المحارم فروي عن هند ابنة المهلب قالت : قلت للحسن : ينظر الرجل إلى قرط أخته أو إلى عنقها ؟ قال : لا ، ولا كرامة . وقال الضحاك : لو دخلت على أمي لقلت : أيتها العجوز ، غطي شعرك . والصحيح أنه يباح النظر إلى ما يظهر غالبا ، لقول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } الآية وقالت سهلة بنت سهيل : { يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا ، كان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ، ويراني فضلا وقد أنزل الله تعالى فيهم ما علمت ، فكيف ترى فيه ؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه فأرضعته خمس رضعات ، فكان بمنزلة ولدها } رواه أبو داود وغيره وهذا دليل على أنه كان ينظر منها إلى ما يظهر غالبا ، فإنها قالت : يراني فضلا ومعناه في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافها .

                                                                                                                                            وقال امرؤ القيس :

                                                                                                                                            فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل

                                                                                                                                            ومثل هذا يظهر منه الأطراف والشعر ، فكان يراها كذلك إذا اعتقدته ولدا ، ثم دلهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما يستديمون به ما كانوا يعتقدونه ويفعلونه . وروى الشافعي في " مسنده " عن زينب بنت أبي سلمة ، أنها ارتضعت من أسماء امرأة الزبير قالت : فكنت أراه أبا ، وكان يدخل علي وأنا أمشط رأسي ، فيأخذ ببعض قرون رأسي ، ويقول : أقبلي علي . ولأن التحرز من هذا لا يمكن .

                                                                                                                                            فأبيح كالوجه ، وما لا يظهر غالبا لا يباح ; لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره ، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور ، فحرم النظر إليه كما تحت السرة ( 5329 ) فصل : وذوات محارمه : كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد ، بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح لما ذكرنا من حديث سالم وزينب . وعن عائشة { أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها بعد ما أنزل الحجاب ، فأبت أن تأذن له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائذني له ، فإنه عمك ، تربت يمينك } متفق عليه

                                                                                                                                            وقد ذكر الله تعالى آباء بعولتهن ، وأبناء بعولتهن ، كما ذكر آباءهن وأبناءهن في إبداء الزينة لهم وتوقف أحمد عن النظر إلى شعر أم امرأته وبنتها ; لأنهما غير مذكورتين في الآية قال القاضي : إنما حكى سعيد بن جبير ولم يأخذ به وقد صرح في رواية [ ص: 76 ] المروذي أنه محرم يجوز له المسافرة بها وقال ، في رواية أبي طالب : ساعة يعقد عقدة النكاح تحرم عليه أم امرأته ، فله أن يرى شعرها ومحاسنها ، ليست مثل التي يزني بها ، لا يحل له أبدا أن ينظر إلى شعرها ، ولا إلى شيء من جسدها ، وهي حرام عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية