الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 321 - 323 ] كتاب الرد على محمد بن الحسن

باب الديات

أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وزن سبعة وقال أهل المدينة على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم .

حدثنا بذلك أبو حنيفة رضي الله عنه عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب وزاد وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الغنم ألف شاة .

أخبرنا سفيان الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي . قال على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار .

وقال أهل المدينة إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض على أهل الورق اثني عشر ألف درهم وقال محمد بن الحسن كلا الفريقين روى عن عمر وانظر أي الروايتين أقرب إلى ما قال المسلمون في غير هذا فهو الحق أجمع المسلمون جميعا لا اختلاف بينهم في القولين كافة أهل الحجاز وأهل العراق أن ليس في أقل من عشرين دينارا من الذهب صدقة وليس في أقل من مائتي درهم من الورق صدقة فجعلوا لكل دينار عشرة دراهم ففرضوا الزكاة على هذا فهذا لا اختلاف فيه بينهم فإذا فرضوا هذا في الصدقة فكيف ينبغي لهم أن يفرضوا الدية كل دينار بعشرة دراهم أو يفرضوا كل دينار باثني عشر درهما إنما ينبغي أن يفرضوا الدية بما يفرضون عليه الزكاة وقد جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود أنهما قالا لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم فجعلوا الدينار بمنزلة العشرة الدراهم فعلى هذا الأحرى ما فرضوا في مثل هذا ، فإن زاد سعر أو نقص لم ينظر في ذلك ألا ترى لو كان له مائة درهم وعشرة دنانير وجب في ذلك الزكاة وجعل في كل صنف منها زكاة وجعل دينار على عشرة دراهم فهذا أمر واضح ليس ينبغي لهم أن يفرضوا الدية فيه إلا على ما فرضت عليه الزكاة ونحوها ونحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فرض الدية دراهم أهل المدينة لأن الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية أهل العراق وقد صدق أهل المدينة أن عمر رضي الله عنه فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثني عشر ألف درهم وزن ستة .

أخبرنا الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال كانت الدية الإبل فجعلت الإبل الصغير والكبير كل بعير بمائة وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم وقيل لشريك بن عبد الله إن رجلا من المسلمين قال شريك قال أبو إسحاق فأتى رجل منا رجلا من العدو وضربه فأصاب رجلا منا فكبه على وجهه [ ص: 324 ] حتى وقع على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه اثني عشر ألف درهم وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة ( قال الشافعي ) روى مكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين أن عمر فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولم أعلم بالحجاز أحدا خالف فيه عن الحجازيين ولا عن عثمان بن عفان وممن قال الدية اثنا عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة ولا أعلم بالحجاز أحدا خالف في ذلك قديما ولا حديثا ولقد روى عكرمة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم } وزعم عكرمة أنه نزل فيه { وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله } فزعم محمد بن الحسن عن عمر حديثين مختلفين قال في أحدهما فرض الدية عشرة آلاف درهم وقال في الآخر اثني عشر ألفا وزن ستة قلت لمحمد بن الحسن أفتقول إن الدية اثنا عشر ألف درهم وزن ستة فقال لا فقلت من أين زعمت إن كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لأنك من أهل الورق ولأنك عن عمر قلتها فإن عمر قضى فيها بشيء لا تقضي به قال لم تكونوا تحسبون قلت أفتروي شيئا تجعله أصلا في الحكم فأنت تزعم أن من تروي عنه لا يعرف قضى به وكيف تقضي بالدية وزن سبعة أفرأيت ما جعلت فيه الزكاة وغير ذلك مما جعلت فيه القطع وجاء تسمية دراهم ليس فيها وزن ستة ولا وزن سبعة وقال لك قائل بل هي على وزن ستة لا وزن سبعة لأن عمر لا يفرض الدية وزن ستة ويفرض فيما سواها وزن سبعة ما تقول ؟ قال أقول إن الدراهم إذا جاءت جملة فهي على وزن الإسلام قلنا : فكيف أخرجت الدية من وزن الإسلام إذا كان وزن الإسلام عندك وزن سبعة ثم زعمت أنك أعلم بالدية منهم لأنكم من أهلها وزعمت لنا أن الدراهم إنما كانت صنفين .

أحدهما الدرهم وزن مثقال والآخر كل عشرة دراهم وزن ستة حتى ضرب زياد دراهم الإسلام فلو قال لك قائل كل درهم جاءت به الزكاة أو في الدية أو في القطع أو غير ذلك فهو بوزن المثقال وقال آخر بوزن ستة وقال آخر كل درهم فهو بوزن الإسلام قيل له فهكذا ينبغي لك أن تقول في الدية ( قال الشافعي ) يقول لقائل قوله أرأيت لو قال لك قائل قد خرجت من حديث أبي إسحاق الهمداني إن الدية اثنا عشر ألفا وزن ستة ومن حديث الشعبي أن الدية عشرة آلاف درهم لأنه لم يذكر فيما تروون فيها وزن ستة كما حدث أبو إسحاق لأن أبا إسحاق يذكر وزن ستة فهو أولى بها وقال آخرون وزن المثاقيل لأن الأكثر أولى بها ، فإن قال بل وزن الإسلام فادعى محمد على أهل الحجاز أنهم أعلم بالدية منهم وإنما عمر قبل الدية من أهل الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية منه إذا كان منهم فمن كان الحاكم منهم أولى بالمعرفة بالدراهم منه إذا كان الحكم إنما وقع بالحاكم وقال محمد بن الحسن فرض المسلمون الزكاة في كل عشرين دينارا وفي مائتي درهم كل دينار بعشرة دراهم ، فإن قيل له ومن أخبرك أنهم فرضوا الزكاة قياسا ؟ أرأيت إذا فرضت الزكاة في أربعين من الغنم وفي ثلاثين من البقر أقاسوا البقر على الغنم ؟ ، فإن قاسوها فالقياس لا يصلح إلا عددا وعدد البقر أقل من عدد الغنم أو بالقيمة فقيمة ثلاثين من البقر أكثر من قيمة أربعين من الغنم وهكذا خمس من الإبل لا عددها عدد واحد منها ولا قيمتها قيمة واحد منها قال ما الزكاة بقياس قلنا ولذلك كانت الدواب سوى البقر والغنم والإبل لا زكاة فيها والتبر سوى الذهب والورق لا زكاة فيه وكل واحد منها أصل في نفسه لا قياس على غيره قال نعم قلنا فكيف زعمت أن الذهب يقاس على الورق والورق يقاس على الذهب .

فإن زعمت أن أحدهما قياس على الآخر فأيهما [ ص: 325 ] الأصل ؟ ، فإن زعمت أنه الذهب لزمك أن تقول عشرين دينارا إذا كانت فيها الزكاة فلو كانت أربعين درهما تسوى عشرين دينارا كانت فيها الزكاة أو ألف درهم لا تسوى عشرين دينارا لم يكن فيها الزكاة وإن زعمت أن الورق هي الأصل قيل لك فيها كما قيل لك في الذهب والورق قال فما هي ؟ قلنا كما قلت في الماشية كل واحد منهما أصل في نفسه قال فالدية قلنا فأصل الدية الإبل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومها عمر ألف دينار واثني عشر ألف درهم الذهب على أهل الذهب والورق على أهل الورق فاتبع في ذلك قضاء عمر كما قضى قال فكيف كان الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعثمان رضي الله عنهما ؟ قيل أما ما روي من الأخبار بينا فعلي اثنا عشر درهما بدينار وقطع عثمان سارقا في أترجة ثمن ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار وقضى في امرأة قتلت في الحرم بدية وثلث ثمانية آلاف درهم .

( قال الشافعي ) أخبرنا بذلك سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه وأما الدلالة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فبمثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا } وروى ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم } وهذا يشبه قضاء عثمان وقيل لمحمد بن الحسن من زعم لك أن في عشرة دنانير ومائة درهم زكاة ؟ أرأيت من قال في وسقين ونصف زبيبا ووسقين ونصف تمرا زكاة ؟ قال ليس ذلك له حتى يكون من كل واحد منهما ما يجب فيه الزكاة قال ، وكذلك في عشرين شاة وخمس عشرة بقرة ؟ قال نعم قيل ولم ؟ قال لأن كل واحد منهما صنف غير صنف صاحبه قيل ، وكذلك الحنطة والشعير لا يضم واحد منهما إلى صاحبه ؟ قال نعم قيل فالحنطة من الشعير والتمر من الزبيب أقرب أو الذهب من الورق في القيمة واللون ؟ قال وما للقرب ولهذا ؟ وكل واحد منهما صنف قيل فكيف جمعت بين الأبعد المختلف من الفضة والذهب وأبيت أن تجمع ما بين الأقرب المختلف ؟ قال فإنا نقول هذا قلنا فمن قال قولك هذا هل تجد به أثرا يتبع ؟ قال لا قلنا فقياس ؟ قال لا قلنا فلا قياس ولا أثر قال فإن بعض أصحابكم يقوله معنا قلنا ، فإن كانت الحجة إنما هي لك بأن ذلك الصاحب يقوله معك يجمع بين الحنطة والشعير والسلت فيضم بعضها إلى بعض ويجمع بين القطنية قال هذا خطأ قلنا وما دلك على خطئه ؟ أليس إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } فإنما عنى من صنف واحد لا من صنفين قال نعم قلنا أفرأيت إن قال لك هي صنف واحد ؟ .

قال إذا يقول لي ما يعرف العقل غيره فلا أقبله منه ما قيمتها ولا خلقتها بواحدة قلنا فالذهب أبعد من الورق في القيمة والخلقة من الحنطة من الشعير والسلت فأراك تتخذ قوله إذا وافقك حجة وتزعم في موضع غيره من قوله أنه يخطئ ويحيل وقلنا له لا يثبت عن ابن مسعود ما ذكرت من القطع في عشرة دراهم وأنت تروي عن الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود أن { النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في خمسة دراهم } قال هذا مقطوع قلنا والذي رويت عنه القطع في عشرة دراهم عن ابن مسعود مقطوع بروايته عن رجل أدنى في الثقة عندك من رواية هذا وأما روايتنا عن علي فجعفر بن محمد يروي عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا .

أخبرنا بذلك حاتم بن إسماعيل قال هذا منقطع قلنا وحديثكم مقطوع عن رجل لا نعرفه ، فإن قال قائل فإنما جمعنا بين الذهب والفضة في الزكاة من قبل أنهما ثمن لكل شيء قيل له إن شاء الله تعالى أفيكونان ثمنا لكل شيء مجموعين ، فإن قال ما تعني بمجموعين ؟ قيل يقال لك أرأيت من استهلك لرجل متاعا يغرم قيمته ذهبا وورقا أو أحدهما ، فإن قال بل إحداهما وإنما يقوم الورق على أهل الورق الذين هي أموالهم والذهب على أهل الذهب [ ص: 326 ] الذين هي أموالهم قيل فما أسمعك جمعت بينهما في قيمة ما استهلك ولا في دية وما أنت إلا تفرد كلا منهما على حدته فكيف لم تفردهما هكذا في الزكاة ؟ أو رأيت إذا كانا والإبل والبقر والغنم تجتمع في أنها أثمان للأحرار المقتولين أتجمع بينها في الزكاة .

فإن قلت لا وليس اجتماعها في شيء يدل على اجتماعها في غيره قيل فهكذا ما أخرجت الأرض مما فيه الزكاة وفيه العشر كله فهو مجتمع في أن فيه العشر كما في الذهب والورق ربع العشر ويفترق في أنه ليس بثمن لكل شيء كما الذهب والورق عندك ثمن لكل شيء ويفترق في أنه مأكول كما الذهب والورق عندك غير مأكول أفتجمع بينه لاجتماعه فيما وصفنا ؟ ، فإن قال لا ولا يدلني اجتماعه في معنى ولا في معان أن أجمع بينه في كل شيء قيل فهكذا فافعل في الجمع بين الذهب والفضة .

أخبرنا سفيان قال أخبرنا المغيرة عن إبراهيم أنه قال لا يكون شبه العمد إلا في النفس والعمد ما أصبت بسلاح والخطأ إذا تعمدت الشيء فأصبت غيره وشبه العمد كل شيء تعمدت ضربه بلا سلاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية