الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] ( باب ) في القسمة وأقسامها وأحكامها

( القسمة ) ثلاثة أقسام : الأول قسمة منافع ، وهي المهايأة وتراض وقرعة فأشار إلى الأول بقوله ( تهايؤ ) بياء تحتية أو نون فهمزة الأول من المهايأة ; لأن كل واحد هيأ لصاحبه ما ينتفع به والثاني من المهانأة ; لأن كل واحد هنأ صاحبه بما دفعه له للانتفاع به ( في زمن ) معين ( كخدمة عبد ) وركوب دابة ( شهرا ) لا أكثر ( وسكنى دار سنين ) يشمل اتحاد العبد والدار بين شريكين أو أكثر ملكا أو إجارة يستخدم كل منها أو منهم العبد مثلا شهرا أو جمعة فلا بد من تعيين الزمن قطعا إذ به يعرف قدر الانتفاع وإلا فسدت ويشمل المتعدد كأن يكون لشريكين عبدان أو داران يستخدم أحدهما أحد العبدين أو يسكن إحدى الدارين والآخر يستخدم الثاني أو يسكن الثانية ، وفي هذه خلاف فقيل يشترط تعيين الزمن وإلا فسدت وقيل لا ، وعليه فإن عين الزمن فهي لازمة وإلا فلا ، فلكل منهما أن ينحل متى شاء ( كالإجارة ) [ ص: 499 ] أي في تعيين الزمن وفي اللزوم ولا يشترط تساوي المدة على أحد القولين فيجوز قسمتها مهايأة على أن يسكنها أحدهما سنة أو أكثر ويسكنها الآخر مثله أو أقل أو أكثر على ما تراضيا عليه ويلزمهما ما دخلا عليه ومثل الدار الأرض المأمونة يزرعها أحدهما عاما والآخر كذلك بخلاف غير المأمونة فلا يجوز قسمها مهايأة ( لا ) تجوز المهايأة ( في غلة ) أي كراء يتجدد بتجدد تحريك المشترك كعبد أو دابة يأخذ أحدهما كراءه مدة معينة ( ولو يوما ) والآخر مثله لعدم انضباط الغلة المتجددة إذ قد تقل وتكثر ومن غير المنضبطة الحمامات والرحا فإن انضبطت كدار معلومة الكراء وكرحا يطحن كل منهما حبه في مدة معينة جاز ولا يضره أن يطحن لغيره بالكراء في مدته ; لأنه تبع لما وقعت المهايأة عليه ورد بلو قول محمد قد يسهل ذلك في اليوم الواحد

التالي السابق


باب في القسمة ( قوله وأقسامها ) عطف تفسير ; لأن المصنف لم يذكر حقيقتها ، وإنما ذكر أنواعها ( قوله ، وهي المهايأة ) بالياء التحتية ، وهي الإعداد بكسر الهمزة والتجهيز يقال هيأ الشيء لصاحبه أي أعده وجهزه له ويقال أيضا بالنون ( قوله تهايؤ ) أي من شريكين في زمن معين للاستعمال كدار بين شريكين يسكن فيها واحد منهما هذا الشهر ، والثاني الشهر الذي بعده أو أحدهما يسكنها سنة كذا والآخر يسكنها سنة كذا التي بعدها أو أحدهما يسكنها سنة كذا والآخر السنتين اللتين بعدها إذ لا يشترط في تعيين الزمان مساواة المدة التي يستعمل فيها أحدهما للمدة التي يستعمل فيها الآخر .

وانظر هل من تعيين الزمان التقييد بشهر دون تعيينه بكونه ربيعا مثلا أي بالإشارة إليه أو ليس ذلك تعيينا وحينئذ فالقسمة غير صحيحة ، والثاني هو ما اختاره ابن عرفة واختار شيخنا العدوي أنه تعيين ( قوله أو نون ) أي مضمومة فهمزة ويجوز قلب الهمزة ياء وحينئذ تقلب ضمة النون الواقعة قبلها كسرة ( قوله لا أكثر ) أي ; لأن المدة التي يقع القبض بعدها هنا كالمدة في الإجارة فكما لا يجوز إجارة عبد معين على أن يقبض بعد أكثر من شهر لا يجوز في المهايأة أن يستعمله بعد أكثر من شهر وهنا كذلك ، وسيأتي تحقيق ذلك ( قوله وإلا فسدت ) أي وإلا يعين الزمان فسدت كأن يتفقا على أن أحدهما يستعمله مدة من الزمان والآخر كذلك ( قوله ويشمل المتعدد ) أي المقسوم المتعدد من العبيد والدواب والدور ( قوله فقيل يشترط ) أي في صحتها ، وهو قول ابن عرفة ( قوله وقيل لا إلخ ) أي وقيل لا يشترط في صحتها تعيين الزمن بل التعيين شرط في لزومها ، وهو قول ابن الحاجب وأقره ابن عبد السلام والتوضيح ، وتحصل مما قاله الشارح أنه إن عين الزمن صحت ولزمت في المقسوم المتحد والمتعدد .

وإن لم يعين فسدت في المتحد اتفاقا وفي المتعدد خلاف فابن الحاجب يقول بصحتها ، وإن كانت غير لازمة وابن عرفة يقول بفسادها فعنده إذا لم يعين الزمن كانت فاسدة مطلقا لا فرق بين المتحد والمتعدد وعلى ما لابن عرفة حمل ابن غازي وح كلام المصنف بدليل مثاله ، وقوله في زمن إذ المتبادر من قوله في زمن المعين وإلا لم يحتج للنص عليه ا هـ .

انظر بن ( قوله كالإجارة ) يفهم من التشبيه أن المهايأة إنما تكون بتراض ، وهو كذلك ; لأن الإجارة كالبيع فلا يجبر عليها من أباها ولا ينافي ذلك جعل المصنف قسمة المراضاة قسيما لها ; لأن جعله قسيما لها باعتبار تعلقها بملك الذات والمهايأة متعلقة [ ص: 499 ] بملك المنافع مع بقاء الذات بينهما . وهذا لا ينافي أنه لا بد من رضاهما معا في كل من القسمين .

( قوله أي في تعيين الزمن ) الأولى أي في اللزوم عند تعيين الزمن .

اعلم أن المقسوم مهايأة إن كان عقارا فيجوز أن تكون المدة التي يقع القبض بعدها كالمدة في الإجارة فكما يجوز إجارة الدار لتقبض بعد أكثر من عام لكونها مأمونة يجوز قسمتها على أن يسكن أحدهما سنتين .

وأما عبد معين يشترط فيه أخذه بعد شهر فلا يجوز في الإجارة ، وأما في المهايأة فإنه يجوز فيها شهر فأكثر بقليل كما قاله ابن القاسم ولذا جعل المواق التشبيه راجعا للدار فقط وأنه تام أي في اللزوم والتعيين ، وفي أن المدة التي يقع القبض بعدها هنا كالمدة في الإجارة ولا يصح في أن يكون التشبيه راجعا للعبد إلا أن يجعل غير تام بأن يكون في اللزوم وتعيين المدة فقط ا هـ .

انظر بن ( قوله على أحد القولين ) أي السابقين وهما اشتراط تعيين الزمان واشتراطه إذا كان المقسوم متعددا ومراده بذلك الأحد أولهما والأولى حذف قوله على أحد القولين ; لأنه لا يشترط تساوي المدتين سواء كان المقسوم متحدا أو متعددا قلنا باشتراط تعيين الزمان في المتعدد أو بعدم اشتراطه والشارح تبع فيما قاله عبق وقد اعترضه بن فانظره ( قوله فيجوز قسمتها ) أي الدار ( قوله الأرض المأمونة ) أي إذا كانت ملكا .

وأما الحبس فاعلم أنه لا يجوز قسم رقابه اتفاقا ، وأما قسمه للاغتلال بأن يأخذ هذا كراءه شهرا مثلا والآخر كذلك فقيل يقسم ويجبر من أبى لمن طلب وينفذ بينهم إلى أن يحصل ما يوجب تغيير القسم بزيادة أو نقص يوجب التغيير وقيل لا يقسم بحال ، وهو ما يفيده كلام الإمام في المدونة وقيل يقسم قسمة اغتلال بتراضيهم فإن أبى أحدهم القسم فلا يجبر عليه فغاير القول الأول واستظهر ح القول الثالث وسواء على ما استظهره قسم قسمة اغتلال أو قسمة انتفاع بأن ينتفع كل واحد بالسكنى بنفسه أو بالزراعة بنفسه مدة .

وإن كانت الأقوال الثلاثة إنما هي في قسمة الاغتلال ( قوله فلا يجوز قسمها مهايأة ) أي ، وإن قلت المدة ( قوله لا في غلة ) عطف على مقدر تقديره وهي أي قسمة المهايأة جائزة في منافع لا في غلة قال عبق ويستثنى من قوله لا في غلة اللبن كما يأتي فيقيد ما هنا بما يأتي فيجوز أن يحلب هذا يوما ، وهذا يوما ا هـ .

والجواز مقيد فيما يأتي بما إذا كان هناك فضل بين ( قوله كراء الحمامات والرحا ) أي وحينئذ فلا يجوز قسم غلتها مهايأة بأن يأخذ أحد الشريكين أجرتها يوما أو جمعة أو شهرا والآخر كذلك ( قوله كدار معلومة الكراء ) أي أو دابة أو عبد معلوم الكراء كما لو كانت الدابة أو الدار أو العبد مستأجرا لشخص كل يوم بكذا فيجوز أن يأخذ كل واحد من الشريكين أجرة شهر أو كان كل منهما غير مستأجر بالفعل لكن علم أن كل واحد منهما يؤاجر كل يوم بكذا ( قوله ; لأنه ) أي الكراء تبع لما أي تبع للمدة المعينة التي وقعت المهايأة عليها فلو دخلا على أن كل واحد يكري مدته ولم ينضبط لم يجز ; لأنه من قسم الغلة ( قوله قول محمد ) كذا في خش والذي في المواق أن هذا القول المردود عليه منقول عن مالك ( قوله قد يسهل ) أي قسم الغلة مهايأة في اليوم الواحد بأن يأخذ كل واحد من الشريكين غلة المشترك يوما




الخدمات العلمية