الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5386 ) مسألة ; قال : ( وحرائر نساء أهل الكتاب وذبائحهم حلال للمسلمين ) ليس بين أهل العلم ، بحمد الله ، اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب . وممن روي عنه ذلك عمر ، وعثمان ، وطلحة ، وحذيفة وسلمان ، وجابر ، وغيرهم . قال ابن المنذر : ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك . وروى الخلال ، بإسناده ، أن حذيفة ، وطلحة ، والجارود بن المعلى ، وأذينة العبدي ، تزوجوا نساء من أهل الكتاب . وبه قال سائر أهل العلم .

                                                                                                                                            وحرمته الإمامية ، تمسكا بقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ، { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ، ولنا ، قول الله تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات إلى قوله : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } . وإجماع الصحابة ، فأما قوله سبحانه { ولا تنكحوا المشركات } . فروي عن ابن عباس أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة .

                                                                                                                                            وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى ; لأنهما متقدمتان ، والآية التي في أول المائدة متأخرة عنهما . وقال آخرون : ليس هذا نسخا ، فإن لفظة المشركين بإطلاقها لا تتناول أهل الكتاب ، بدليل قوله سبحانه { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين } . وقال { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } . وقال { : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين [ ص: 100 ] أشركوا } . وقال { : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين } .

                                                                                                                                            وسائر آي القرآن يفصل بينهما ، فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب ، وهذا معنى قول سعيد بن جبير ، وقتادة ، ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة ، وآيتنا خاصة في حل أهل الكتاب ، والخاص يجب تقديمه . إذا ثبت هذا ، فالأولى أن لا يتزوج كتابية ; لأن عمر قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب : طلقوهن . فطلقوهن إلا حذيفة ، فقال له عمر : طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة ، طلقها . قال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة . قال : قد علمت أنها جمرة ، ولكنها لي حلال . فلما كان بعد طلقها ، فقيل له : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ قال : كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي . ولأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته ، وربما كان بينهما ولد فيميل إليها . ( 5387 ) فصل : وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم ، هم أهل التوراة والإنجيل . قال الله تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } . فأهل التوراة اليهود والسامرة ، وأهل الإنجيل النصارى ، ومن وافقهم في أصل دينهم من الإفرنج والأرمن وغيرهم .

                                                                                                                                            وأما الصابئون فاختلف فيهم السلف كثيرا ، فروي عن أحمد أنهم جنس من النصارى . ونص عليه الشافعي ، وعلق القول فيهم في موضع آخر . وعن أحمد أنه قال : بلغني أنهم يسبتون . فهؤلاء إذا يشبهون اليهود . والصحيح فيهم أنهم إن كانوا يوافقون النصارى أو اليهود في أصل دينهم ، ويخالفونهم في فروعه ، فهم ممن وافقوه ، وإن خالفوهم في أصل الدين ، فليس هم منهم . والله أعلم .

                                                                                                                                            وأما من سوى هؤلاء من الكفار ، مثل المتمسك بصحف إبراهيم ، وشيث وزبور داود ، فليسوا بأهل كتاب ، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم . وهذا قول الشافعي . وذكر القاضي فيهم وجها آخر ، أنهم من أهل الكتاب ، وتحل ذبائحهم ، ونكاح نسائهم ، ويقرون بالجزية ; لأنهم تمسكوا بكتاب من كتب الله عز وجل ، فأشبهوا اليهود والنصارى . ولنا ، قول الله تعالى { : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } . ولأن تلك الكتب كانت مواعظ وأمثالا ، لا أحكام فيها ، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على الأحكام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية