الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب الهدي

                                                                                                                                                                        يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة ، أن يهدي إليها شيئا من النعم ، ولا يجب ذلك إلا بالنذر . وإذا ساق هديا تطوعا أو منذورا ، فإن كان بدنة أو بقرة ، استحب أن يقلدها نعلين ، وليكن لهما قيمة ليتصدق بهما ، وأن يشعرها أيضا ، والإشعار الإعلام . والمراد هنا : أن يضرب صفحة سنامها الأيمن بحديدة وهي مستقبلة القبلة فيدميها ويلطخها بالدم ، ليعلم من رآها أنها هدي ، فلا يتعرض لها . وإن ساق غنما ، استحب تقليدها بخرب القرب ، وهي عراها وآذانها ، لا بالنعل ، ولا يشعرها .

                                                                                                                                                                        [ ص: 190 ] قلت : وفي الأفضل مما يقدم من الإشعار والتقليد ، وجهان : أحدهما : يقدم الإشعار ، وقد صح فيه حديث في " صحيح مسلم " . والثاني : يقدم التقليد ، وهو المنصوص . وصح ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما . قال صاحب " البحر " : وإن قرن هديين في حبل ، أشعر أحدهما في سنامه الأيمن ، والآخر في الأيسر ، ليشاهدا ، وفيما قاله احتمال . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإذا قلد النعم وأشعرها ، لم تصر هديا واجبا على المشهور ، كما لو كتب الوقف على باب داره . وإذا عطب الهدي في الطريق ، فإن كان تطوعا ، فعل به ما شاء من بيع أو أكل وغيرهما . وإن كان واجبا ، لزمه ذبحه . فلو تركه حتى هلك ضمنه . وإذا ذبحه ، غمس النعل التي قلده في دمه ، وضرب بها سنامه ، وتركه ليعلم من مر به أنه هدي ، يأكل منه . وهل تتوقف الإباحة على قوله : [ ص: 191 ] أبحته لمن يأكل منه ؟ قولان . أظهرهما : لا تتوقف ؛ لأنه بالنذر زال ملكه وصار للمساكين . ولا يجوز للمهدي ، ولا لأغنياء الرفقة ، الأكل منه قطعا ، ولا لفقراء الرفقة على الصحيح .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح الذي يقتضيه ظاهر الحديث وقول الأصحاب : أن المراد بالرفقة : جميع القافلة . وحكى الروياني في " البحر " وجها استحسنه : أنهم الذين يخالطونه في الأكل وغيره ، دون باقي القافلة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وفي وقت ذبح الهدي ، وجهان : الصحيح ، أنه يختص بيوم النحر وأيام التشريق ، كالأضحية . وبهذا قطع العراقيون وغيرهم . والثاني : لا يختص بزمن ، كدماء الجبران . فعلى الأول ، لو أخر الذبح حتى مضت مدة هذه الأيام ، فإن كان الهدي واجبا ، ذبحه قضاء ، وإن كان تطوعا ، فقد فات . فإن ذبحه ، قال الشافعي رحمه الله : كان شاة لحم .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا عطب هدي التطوع ، فذبحه ، قال صاحب " " الشامل " وغيره : لا يصير مباحا للفقراء إلا بلفظه ، وهو أن يقول : أبحته للفقراء أو المساكين . قال : ويجوز لمن سمعه الأكل . وفي غيره ، قولان . قال في " الإملاء " : لا يحل حتى يعلم الإذن . وقال في " القديم " و " الأم " : يحل ، وهو الأظهر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية