الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب

ومن أعظم عقوباتها : أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى ، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر ، فأي فلاح ، وأي رجاء ، وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير ، وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى عنه طرفة عين ، ولا بدل له منه ، ولا عوض له عنه ، واتصلت به أسباب الشر ، ووصل ما بينه [ ص: 83 ] وبين أعدى عدو له : فتولاه عدوه وتخلى عنه وليه ؟ فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع والاتصال من أنواع الآلام وأنواع العذاب .

قال بعض السلف : رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان ، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان ، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان ، وقد قال تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا [ سورة الكهف : 50 ] .

يقول سبحانه لعباده : أنا أكرمت أباكم ، ورفعت قدره ، وفضلته على غيره ، فأمرت ملائكتي كلهم أن يسجدوا له ، تكريما له وتشريفا ، فأطاعوني ، وأبى عدوي وعدوه ، فعصى أمري ، وخرج عن طاعتي ، فكيف يحسن بكم بعد هذا أن تتخذوه وذريته أولياء من دوني ، فتطيعونه في معصيتي ، وتوالونه في خلاف مرضاتي وهم أعدى عدو لكم ؟ فواليتم عدوي وقد أمرتكم بمعاداته ، ومن والى أعداء الملك ، كان هو وأعداؤه عنده سواء ، فإن المحبة والطاعة لا تتم إلا بمعاداة أعداء المطاع وموالاة أوليائه ، وأما أن توالي أعداء الملك ثم تدعي أنك موال له ، فهذا محال .

هذا لو لم يكن عدو الملك عدوا لكم ، فكيف إذا كان عدوكم على الحقيقة ، والعداوة التي بينكم وبينه أعظم من العداوة التي بين الشاة وبين الذئب ؟ فكيف يليق بالعاقل أن يوالي عدوه عدو وليه ومولاه الذي لا مولى له سواه ، ونبه سبحانه على قبح هذه الموالاة بقوله : وهم لكم عدو [ سورة الكهف : 50 ] ، كما نبه على قبحها بقوله تعالى : ففسق عن أمر ربه [ سورة الكهف : 50 ] ، فتبين أن عداوته لربه وعداوته لنا ، كل منهما سبب يدعو إلى معاداته ، فما هذه الموالاة ؟ وما هذا الاستبدال ؟ بئس للظالمين بدلا .

ويشبه أن يكون تحت هذا الخطاب نوع من العتاب لطيف عجيب وهو أني عاديت إبليس إذ لم يسجد لأبيكم آدم مع ملائكتي فكانت معاداته لأجلكم ، ثم كان عاقبة هذه المعاداة أن عقدتم بينكم وبينه عقد المصالحة

التالي السابق


الخدمات العلمية