الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5441 ) مسألة ; قال : ولو نكح أكثر من أربع ، في عقد واحد ، أو في عقود متفرقة ، ثم أصابهن ، ثم أسلم ، ثم أسلمت كل واحدة منهن في عدتها ، اختار أربعا منهن ، وفارق ما سواهن ، سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن وجملة ذلك أن الكافر إذا أسلم ، ومعه أكثر من أربع نسوة ، فأسلمن في عدتهن ، أو كن كتابيات ، لم يكن له [ ص: 121 ] إمساكهن كلهن . بغير خلاف نعلمه

                                                                                                                                            ولا يملك إمساك أكثر من أربع . فإذا أحب ذلك ، اختار أربعا منهن ، وفارق سائرهن ، سواء تزوجهن في عقد أو في عقود ، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر . نص عليه أحمد . وبه قال الحسن ، ومالك ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، ومحمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف : إن كان تزوجهن في عقد ، انفسخ نكاح جميعهن ، وإن كان في عقود ، فنكاح الأوائل صحيح ، ونكاح ما زاد على أربع باطل ; لأن العقد إذا تناول أكثر من أربع ، فتحريمه من طريق الجمع ، فلا يكون فيه مخيرا بعد الإسلام ، كما لو تزوجت المرأة زوجين في حال الكفر ، ثم أسلما

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى قيس بن الحارث ، قال : { أسلمت وتحتي ثمان نسوة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك ، فقال : اختر منهن أربعا . } رواه أحمد ، وأبو داود . وروى محمد بن سويد الثقفي ، { أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة ، فأسلمن معه ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخير منهن أربعا } رواه الترمذي ، ورواه مالك في موطئه ، عن الزهري مرسلا ، ورواه الشافعي في مسنده عن ابن علية ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، إلا أنه غير محفوظ ، غلط فيه معمر ، وخالف فيه أصحاب الزهري . كذلك قال الحفاظ ; الإمام أحمد ، والترمذي ، وغيرهما . ولأن كل عدد جاز له ابتداء العقد عليه ، جاز له إمساكه بنكاح مطلق في حال الشرك ، كما لو تزوجهن بغير شهود

                                                                                                                                            وأما إذا تزوجت بزوجين ، فنكاح الثاني باطل ; لأنها ملكته ملك غيرها . وإن جمعت بينهما ، لم يصح ; لأنها لم تملكه جميع بضعها ، ولأن ذلك ليس بشائع عند أحد من أهل الأديان ، ولأن المرأة ليس لها اختيار النكاح وفسخه ، بخلاف الرجل

                                                                                                                                            . ( 5442 ) فصل : ويجب عليه أن يختار أربعا فما دون ، ويفارق سائرهن ، أو يفارق الجميع ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر غيلان وقيسا بالاختيار ، وأمره يقتضي الوجوب ، ولأن المسلم لا يجوز إقراره على نكاح أكثر من أربع ، فإن أبى ، أجبر ، بالحبس والتعزير إلى أن يختار ; لأن هذا حق عليه يمكنه إيفاؤه ، وهو ممتنع منه ، فأجبر عليه ، كإيفاء الدين

                                                                                                                                            وليس للحاكم أن يختار عنه ، كما يطلق على المولي إذا امتنع من الطلاق ; لأن الحق هاهنا لغير معين ، وإنما تتعين الزوجات باختياره وشهوته ، وذلك لا يعرفه الحاكم فينوب عنه فيه ، بخلاف المولي ، فإن الحق المعين يمكن الحاكم إيفاءه ، والنيابة عن المستحق فيه . فإن جن خلي حتى يعود عقله ، ثم يجبر على الاختيار ، وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار ; لأنهن محبوسات عليه ، ولأنهن في حكم الزوجات أيتهن اختار جاز .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية