الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صوب ]

                                                          صوب : الصوب : نزول المطر . صاب المطر صوبا ، وانصاب : كلاهما انصب . ومطر صوب وصيب وصيوب ، وقوله تعالى : أو كصيب من السماء قال أبو إسحاق : الصيب هنا المطر ، وهذا مثل ضربه الله تعالى للمنافقين ، كأن المعنى : أو كأصحاب صيب ؛ فجعل دين الإسلام لهم مثلا فيما ينالهم فيه من الخوف والشدائد وجعل ما يستضيئون به من البرق مثلا لما يستضيئون به من الإسلام ، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل . قال : والدليل على ذلك قوله تعالى : يحسبون كل صيحة عليهم . وكل نازل من علو إلى سفل فقد صاب يصوب ؛ وأنشد :


                                                          كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب

                                                          .

                                                          وقال الليث : الصوب المطر . وصاب الغيث بمكان كذا وكذا ، وصابت السماء الأرض : جادتها . وصاب الماء وصوبه . صبه وأراقه ؛ أنشد ثعلب في صفة ساقيين :


                                                          وحبشيين إذا تحلبا     قالا نعم قالا نعم وصوبا

                                                          .

                                                          والتصوب : حدب في حدور ، والتصوب : الانحدار . والتصويب : خلاف التصعيد . وصوب رأسه : خفضه . التهذيب : صوبت الإناء ورأس الخشبة تصويبا : إذا خفضته ، وكره تصويب الرأس في الصلاة . وفي الحديث : من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ؛ سئل أبو داود السجستاني عن هذا الحديث فقال : هو مختصر ومعناه : من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه أي نكسه ؛ ومنه الحديث : وصوب يده أي خفضها . والإصابة : خلاف الإصعاد ، وقد أصاب الرجل ، قال كثير عزة :


                                                          ويصدر شتى من مصيب ومصعد     إذا ما خلت ممن يحل المنازل

                                                          والصيب : السحاب ذو الصوب . وصاب أي نزل ؛ قال الشاعر :


                                                          فلست لإنسي ولكن لملأك     تنزل من جو السماء يصوب

                                                          .

                                                          قال ابن بري : البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان ، وقيل : هو لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير ، وقيل : هو لعلقمة بن عبدة . قال ابن بري : وفي هذا البيت شاهد على أن قولهم ملك حذفت منه همزته وخففت بنقل حركتها على ما قبلها بدليل قولهم : ملائكة ، فأعيدت الهمزة في الجمع . وبقول الشاعر : ( ولكن لملأك ) فأعاد الهمزة ، والأصل في الهمزة أن تكون قبل اللام ؛ لأنه من الألوكة ، وهي الرسالة ، فكأن أصل ملأك أن يكون مألكا ، وإنما أخروها بعد اللام ليكون طريقا إلى حذفها ؛ لأن الهمزة متى ما سكن ما قبلها جاز حذفها وإلقاء حركتها على ما قبلها . والصوب مثل الصيب ، وتقول : صابه المطر أي مطر . وفي حديث الاستسقاء : اللهم اسقنا غيثا صيبا أي منهمرا متدفقا . وصوبت الفرس : إذا أرسلته في الجري ، قال امرؤ القيس :


                                                          فصوبته كأنه صوب غبية     على الأمعز الضاحي إذا سيط أحضرا

                                                          .

                                                          والصواب ، ضد الخطأ . وصوبه : قال له أصبت . وأصاب : جاء بالصواب . وأصاب : أراد الصواب ، وأصاب في قوله وأصاب القرطاس وأصاب في القرطاس . وفي حديث أبي وائل : كان يسأل عن التفسير فيقول : أصاب الله الذي أراد ، يعني أراد الله الذي أراد ، وأصله من الصواب ، وهو ضد الخطأ . يقال : أصاب فلان في قوله وفعله ، وأصاب السهم القرطاس إذا لم يخطئ ؛ وقول صوب وصواب . قال الأصمعي : يقال أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب ؛ معناه أنه قصد قصد الصواب وأراده فأخطأ مراده ولم يعمد الخطأ ولم يصب ، وقولهم : دعني وعلي خطئي وصوبي أي صوابي ؛ قال أوس بن غلفاء :


                                                          ألا قالت أمامة يوم غول     تقطع بابن غلفاء الحبال
                                                          دعيني إنما خطئي وصوبي     علي وإن ما أهلكت مال

                                                          .

                                                          وإن ما ، كذا منفصلة . قوله : مال بالرفع أي وإن الذي أهلكت إنما هو مال . واستصوبه واستصابه وأصابه : رآه صوابا . وقال ثعلب : استصبته قياس . والعرب تقول : استصوبت رأيك . وأصابه بكذا : فجعه به . وأصابهم الدهر بنفوسهم وأموالهم : جاحهم فيها ففجعهم . ابن الأعرابي : ما كنت مصابا ولقد أصبت . وإذا قال الرجل لآخر : أنت مصاب ، قال : أنت أصوب مني ؛ حكاه ابن الأعرابي وأصابته مصيبة ، فهو مصاب . والصابة والمصيبة : ما أصابك من الدهر ، وكذلك المصابة والمصوبة بضم الصاد ، والتاء ، للداهية أو للمبالغة ، والجمع مصاوب ومصائب ، الأخير على غير قياس توهموا مفعلة فعيلة التي ليس لها في الياء ، ولا الواو أصل . التهذيب : قال الزجاج : أجمع النحويون على أن حكوا مصائب في جمع مصيبة بالهمز ، وأجمعوا أن الاختيار مصاوب ، وإنما مصائب عندهم - بالهمز - من الشاذ . قال : وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة ، كما قالوا وسادة وإسادة ، قال : وزعم الأخفش أن مصائب إنما وقعت الهمزة فيها بدلا من الواو ؛ لأنها أعلت في مصيبة . قال الزجاج : وهذا رديء ؛ لأنه يلزم أن يقال في مقام مقائم ، [ ص: 301 ] وفي معونة معائن . وقال أحمد بن يحيى : مصيبة كانت في الأصل مصوبة . ومثله : أقيموا الصلاة ، أصله أقوموا فألقوا حركة الواو على القاف فانكسرت وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف . وقال الفراء : يجمع الفواق أفيقة ، والأصل أفوقة . وقال ابن بزرج : تركت الناس على مصاباتهم أي على طبقاتهم ومنازلهم . وفي الحديث : من يرد الله به خيرا يصب منه أي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها ، وهو الأمر المكروه ينزل بالإنسان . يقال : أصاب الإنسان من المال وغيره أي أخذ وتناول ، وفي الحديث : يصيبون ما أصاب الناس أي ينالون ما نالوا . وفي الحديث : أنه كان يصيب من رأس بعض نسائه ، وهو صائم ، أراد التقبيل . والمصاب : الإصابة : قال الحارث بن خالد المخزومي :


                                                          أسليم إن مصابكم رجلا     أهدى السلام تحية ظلم
                                                          أقصدته وأراد سلمكم     إذ جاءكم فلينفع السلم

                                                          .

                                                          قال ابن بري : هذا البيت ليس للعرجي ، كما ظنه الحريري ، فقال في درة الغواص : هو للعرجي . وصوابه : أظليم ، وظليم : ترخيم ظليمة ، وظليمة : تصغير ظلوم تصغير الترخيم . ويروى : أظلوم إن مصابكم . وظليم : هي أم عمران زوجة عبد الله بن مطيع ، وكان الحارث ينسب بها ، ولما مات زوجها تزوجها . ورجلا : منصوب بمصاب ، يعني : إن إصابتكم رجلا ، وظلم : خبر إن . وأجمعت العرب على همز المصائب ، وأصله الواو كأنهم شبهوا الأصلي بالزائد . وقولهم للشدة إذا نزلت : صابت بقر أي صارت الشدة في قرارها . وأصاب الشيء : وجده . وأصابه أيضا : أراده . وبه فسر قوله تعالى : تجري بأمره رخاء حيث أصاب قال : أراد حيث أراد ؛ قال الشاعر :


                                                          وغيرها ما غير الناس قبلها     فناءت وحاجات النفوس تصيبها

                                                          .

                                                          أراد : تريدها ، ولا يجوز أن يكون أصاب من الصواب الذي هو ضد الخطأ ؛ لأنه لا يكون مصيبا ومخطئا في حال واحد . وصاب السهم نحو الرمية يصوب صوبا وصيبوبة ، وأصاب : إذا قصد ولم يجز ، وقيل : صاب : جاء من عل ، وأصاب ، من الإصابة ، وصاب السهم القرطاس صيبا ، لغة في أصابه . وإنه لسهم صائب أي قاصد . والعرب تقول للسائر في فلاة يقطع بالحدس إذا زاغ عن القصد : أقم صوبك أي قصدك . وفلان مستقيم الصوب : إذا لم يزغ عن قصده يمينا وشمالا في مسيره . وفي المثل : مع الخواطئ سهم صائب ؛ وقول أبي ذؤيب :


                                                          إذا نهضت فيه تصعد نفرها     كعنز الفلاة مستدر صيابها

                                                          .

                                                          أراد جمع صائب كصاحب وصحاب ، وأعل العين في الجمع كما أعلها في الواحد كصائم وصيام وقائم وقيام هذا إن كان صياب من الواو ، ومن الصواب في الرمي ، وإن كان من صاب السهم الهدف يصيبه فالياء في أصل ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          فكيف ترجي العاذلات تجلدي     وصبري إذا ما النفس صيب حميمها

                                                          .

                                                          فسره فقال : صيب كقولك قصد ، قال : ويكون على لغة من قال : صاب السهم . قال : ولا أدري كيف هذا لأن ( صاب السهم ) غير متعد . قال : وعندي أن صيب ههنا من قولهم : صابت السماء الأرض أصابتها بصوب ، فكأن المنية كانت صابت الحميم فأصابته بصوبها . وسهم صيوب وصويب : صائب ؛ قال ابن جني : لم نعلم في اللغة صفة على فعيل مما صحت فاؤه ، ولامه وعينه واو إلا قولهم طويل وقويم وصويب ، قال : فأما العويص فصفة غالبة تجري مجرى الاسم . وهو في صوابة قومه أي في لبابهم . وصوابة القوم : جماعتهم ، وهو مذكور في الياء ؛ لأنها يائية وواوية . ورجل مصاب ، وفي عقل فلان صابة أي فترة وضعف وطرف من الجنون ؛ وفي التهذيب : كأنه مجنون . ويقال للمجنون : مصاب . والمصاب : قصب السكر . التهذيب : الأصمعي : الصاب والسلع ضربان من الشجر مران . والصاب عصارة شجر مر ، وقيل : هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن ، وربما نزت منه نزية أي قطرة فتقع في العين كأنها شهاب نار ، وربما أضعف البصر ؛ قال أبو ذؤيب الهذلي :


                                                          إني أرقت فبت الليل مشتجرا     كأن عيني فيها الصاب مذبوح

                                                          .

                                                          ويروى :


                                                          نام الخلي وبت الليل مشتجرا

                                                          .

                                                          والمشتجر : الذي يضع يده تحت حنكه مذكرا لشدة همه . وقيل : الصاب شجر مر ، واحدته صابة . وقيل : هو عصارة الصبر . قال ابن جني : عين الصاب واو قياسا واشتقاقا أما القياس فلأنها عين والأكثر أن تكون واوا ، وأما الاشتقاق فلأن الصاب شجر إذا أصاب العين حلبها ، وهو أيضا شجر إذا شق سال منه الماء ، وكلاهما في معنى صاب يصوب : إذا انحدر . ابن الأعرابي : المصوب المغرفة ؛ وقول الهذلي :


                                                          صابوا بستة أبيات وأربعة     حتى كأن عليهم جابيا لبدا

                                                          .

                                                          صابوا بهم : وقعوا بهم . والجابي : الجراد . واللبد : الكثير . والصوبة : الجماعة من الطعام . والصوبة : الكدسة من الحنطة والتمر وغيرهما . وكل مجتمع صوبة ؛ عن كراع . قال ابن السكيت : أهل الفلج يسمون الجرين الصوبة ، وهو موضع التمر . والصوبة : الكثبة من تراب أو غيره . وحكى اللحياني عن أبي الدينار الأعرابي : دخلت على فلان ، فإذا الدنانير صوبة بين يديه أي كدس مجتمع مهيلة ؛ ومن رواه : فإذا الدينار ، ذهب بالدينار إلى معنى الجنس ؛ لأن الدينار الواحد لا يكون صوبة . والصوب : لقب رجل من العرب ، وهو أبو قبيلة منهم . وبنو الصوب : قوم من بكر بن وائل . وصوبة : فرس العباس بن مرداس . وصوبة أيضا : فرس لبني سدوس .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية