الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صير ]

                                                          صير : صار الأمر إلى كذا يصير صيرا ومصيرا وصيرورة وصيره إليه وأصاره والصيرورة مصدر صار يصير . وفي كلام عميلة الفزاري لعمه ، وهو ابن عنقاء الفزاري : ما الذي أصارك إلى ما أرى يا عم ؟ قال : بخلك بمالك وبخل غيرك من أمثالك ، وصوني أنا وجهي عن مثلهم وتسآلك ، ثم كان من إفضال عميلة على عمه ما قد ذكره أبو تمام في كتابه الموسوم بالحماسة . وصرت إلى فلان مصيرا كقوله تعالى : وإلى الله المصير قال الجوهري : وهو شاذ ، والقياس مصار مثل معاش . وصيرته أنا كذا أي جعلته . والمصير : الموضع الذي تصير إليه المياه . والصير : الجماعة . والصير : الماء يحضره الناس . وصاره الناس : حضروه ؛ ومنه قول الأعشى :


                                                          بما قد تربع روض القطا وروض التناضب حتى تصيرا

                                                          أي حتى تحضر المياه . وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه حين عرض أمره على قبائل العرب : فلما حضر بني شيبان وكلم سراتهم ، قال المثنى بن حارثة : إنا نزلنا بين صيرين اليمامة [ ص: 314 ] والشمامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما هذان الصيران قال : مياه العرب ، وأنهار كسرى الصير : الماء الذي يحضره الناس . وقد صار القوم يصيرون إذا حضروا الماء ، ويروى : بين صيرتين ، وهي فعلة منه ، ويروى : بين صريين تثنية صرى . قال أبو العميثل : صار الرجل يصير إذا حضر الماء ، فهو صائر . والصائرة : الحاضرة . ويقال : جمعتهم صائرة القيظ . وقال أبو الهيثم : الصير رجوع المنتجعين إلى محاضرهم . يقال : أين الصائرة أي أين الحاضرة . ويقال : أي ماء صار القوم أي حضروا . ويقال : صرت إلى مصيرتي وإلى صيري وصيوري . ويقال : للمنزل الطيب : مصير ومرب ومعمر ومحضر . ويقال : أين مصيركم ؟ أي أين منزلكم ؟ وصير الأمر : منتهاه ومصيره وعاقبته ، وما يصير إليه . وأنا على صير من أمر كذا أي على ناحية منه . وتقول للرجل : ما صنعت في حاجتك ؟ فيقول : أنا على صير قضائها وصمات قضائها أي على شرف قضائها ؛ قال زهير :


                                                          وقد كنت من سلمى سنين ثمانيا     على صير أمر ما يمر وما يحلو

                                                          وصيور الشيء : آخره ومنتهاه ، وما يئول إليه كصيره ومنتهاه ، وهو فيعول ؛ وقول طفيل الغنوي :


                                                          أمسى مقيما بذي العوصاء     صيره بالبئر غادره الأحياء وابتكروا

                                                          قال أبو عمرو : صيره قبره . يقال : هذا صير فلان أي قبره ، وقال عروة بن الورد :


                                                          أحاديث تبقى والفتى غير خالد     إذا هو أمسى هامة فوق صير

                                                          قال أبو عمرو : بالهزر ألف صير ، يعني قبورا من قبور أهل الجاهلية ذكره أبو ذؤيب ؛ فقال :


                                                          كانت كليلة أهل الهزر

                                                          وهزر : موضع . وما له صيور مثال فيعول أي عقل ورأي . وصيور الأمر . ما صار إليه . ووقع في أم صيور أي في أمر ملتبس ليس له منفذ ، وأصله الهضبة التي لا منفذ لها ؛ كذا حكاه يعقوب في الألفاظ والأسبق صبور . وصارة الجبل رأسه . والصيور والصائرة : ما يصير إليه النبات من اليبس . والصائرة المطر والكلأ . والصائر : الملوي أعناق الرجال . وصاره يصيره : لغة في صاره يصوره أي قطعه ، وكذلك أماله . والصير : شق الباب ، يروى أن رجلا اطلع من صير باب النبي صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من اطلع من صير باب فقد دمر ؛ وفي رواية : من نظر ، ودمر : دخل ، وفي رواية : من نظر في صير باب ففقئت عينه فهي هدر ، الصير الشق ؛ قال أبو عبيد : لم يسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث . وصير الباب : خرقه . ابن شميل : الصيرة على رأس القارة مثل الأمرة غير أنها طويت طيا والأمرة أطول منها وأعظم مطويتان جميعا فالأمرة مصعلكة طويلة ، والصيرة مستديرة عريضة ذات أركان ، وربما حفرت فوجد فيها الذهب والفضة . وهي من صنعة عاد وإرم ، والصير شبه الصحناة ، وقيل هو الصحناة نفسه يروى أن رجلا مر بعبد الله بن سالم ومعه صير فلعق منه ، ثم سأل : كيف يباع ؟ وتفسيره في الحديث أنه الصحناة . قال ابن دريد : أحسبه سريانيا ؛ قال جرير يهجو قوما :


                                                          كانوا إذا جعلوا في صيرهم بصلا     ثم اشتووا كنعدا من مالح جدفوا

                                                          والصير : السمكات المملوحة التي تعمل منها الصحناة ؛ عن كراع . وفي حديث المعافري : لعل الصير أحب إليك من هذا . وصرت الشيء : قطعته . وصار وجهه يصيره : أقبل به . وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأبي جعفر المدني : فصرهن إليك بالكسر أي قطعهن وشققهن ، وقيل : وجههن . الفراء ضمت العامة الصاد ، وكان أصحاب عبد الله يكسرونها ، وهما لغتان ، فأما الضم فكثير ، وأما الكسر ففي هذيل وسليم ، قال : وأنشد الكسائي :


                                                          وفرع يصير الجيد وحف كأنه     على الليت قنوان الكروم الدوالح

                                                          يصير : يميل ، ويروى يزين الجيد ، وكلهم فسروا فصرهن أملهن ، وأما فصرهن بالكسر ، فإنه فسر بمعنى قطعهن ؛ قال : ولم نجد قطعهن معروفة ؛ قال الأزهري : وأراها إن كانت كذلك من صريت أصري أي قطعت ، فقدمت ياؤها . وصرت عنقه : لويتها . وفي حديث الدعاء : عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير أي المرجع . يقال : صرت إلى فلان أصير مصيرا ، قال : وهو شاذ ، والقياس مصار مثل معاش . قال الأزهري : وأما صار ، فإنها على ضربين : بلوغ في الحال وبلوغ في المكان ، كقولك صار زيد إلى عمرو ، وصار زيد رجلا ، فإذا كانت في الحال فهي مثل كان في بابه . ورجل صير شير أي حسن الصورة والشارة ؛ عن الفراء . وتصير فلان أباه : نزع إليه في الشبه . والصيارة والصيرة : حظيرة من خشب وحجارة تبنى للغنم والبقرة ، والجمع صير وصير ، وقيل : الصيرة حظيرة الغنم ؛ قال الأخطل :


                                                          واذكر غدانة عدانا مزنمة     من الحبلق تبنى فوقها الصير

                                                          وفي الحديث : ما من أمتي أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة ، قالوا : وكيف تعرفهم من كثرة الخلائق ؟ قال : أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيل دهم ، وفيها فرس أغر محجل أما كنت تعرفه منها ؟ الصيرة : حظيرة تتخذ للدواب من الحجارة وأغصان الشجر ، وجمعها صير . قال أبو عبيد : صيرة : بالفتح ، قال : وهو غلط . والصيار : صوت الصنج ؛ قال الشاعر :


                                                          كأن تراطن الهاجات فيها     قبيل الصبح رنات الصيار

                                                          يريد رنين الصنج بأوتاره . وفي الحديث : أنه قال لعلي عليه السلام : ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن وعليك مثل صير غفر لك ؟ قال ابن الأثير : وهو اسم جبل ، ويروى : صور بالواو ، وفي رواية أبي وائل : أن عليا رضي الله عنه ، قال : لو كان عليك مثل صير دينا لأداه الله عنك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية