الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 390 ] النوع الخامس والسبعون في خواص القرآن .

أفرده بالتأليف جماعة منهم : التميمي ، وحجة الإسلام الغزالي ، ومن المتأخرين اليافعي وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين ، وها أنا أبدأ بما ورد من ذلك في الحديث ثم ألتقط عيونا مما ذكر السلف والصالحون .

أخرج ابن ماجه وغيره ، من حديث ابن مسعود : عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن .

وأخرج أيضا من حديث علي : خير الدواء القرآن .

[ ص: 391 ] وأخرج أبو عبيد عن طلحة بن مطرف قال : كان يقال : إذا قرئ القرآن عند المريض وجد لذلك خفة .

وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع : أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع حلقه ، قال : عليك بقراءة القرآن .

وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني أشتكي صدري قال : اقرأ القرآن لقول الله تعالى : وشفاء لما في الصدور .

وأخرج البيهقي وغيره ، من حديث عبد الله بن جابر : في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء .

وأخرج الخلعي في فوائده ، من حديث جابر بن عبد الله : فاتحة الكتاب شفاء من كل شيء إلا السام والسام : الموت .

وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما ، من حديث أبي سعيد الخدري : فاتحة الكتاب شفاء من السم .

[ ص: 392 ] وأخرج البخاري من حديثه أيضا قال : كنا في مسير لنا فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، فهل معكم راق ؟ فقام معها رجل ، فرقاه بأم القرآن فبرئ ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية .

وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن السائب بن يزيد ، قال : عوذني رسول الله صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب تفلا .

وأخرج البزار من حديث أنس : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب ، و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت .

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة : إن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان .

[ ص: 393 ] وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند حسن ، عن أبي بن كعب قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء أعرابي فقال : يا نبي الله ، إن لي أخا وبه وجع ، قال : وما وجعه ؟ قال : به لمم قال : فأتني به ، فوضعه بين يديه ، فعوذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب ، وأربع آيات من أول سورة البقرة ، وهاتين الآيتين : وإلهكم إله واحد [ البقرة : 163 ] . وآية الكرسي ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ، وآية من آل عمران : شهد الله أنه لا إله إلا هو [ آل عمران : 18 ] . وآية من الأعراف : إن ربكم الله [ الأعراف : 54 ] . وآخر سورة المؤمنون : فتعالى الله الملك الحق [ المؤمنون : 116 ] . وآية من سورة الجن وأنه تعالى جد ربنا [ الجن : 3 ] . وعشر آيات من أول الصافات ، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، و قل هو الله أحد والمعوذتين ، فقام الرجل كأنه لم يشك قط .

وأخرج الدارمي عن ابن مسعود موقوفا : من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة ، وآية الكرسي ، وآيتين بعد آية الكرسي ، وثلاثا من آخر سورة البقرة ، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه ، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق .

وأخرج البخاري عن أبي هريرة في قصة الصدقة : أن الجني قال له : إذا أويت إلى [ ص: 394 ] فراشك فاقرأ آية الكرسي ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه صدقك وهو كذوب .

وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال : قال رجل : يا رسول الله ، علمني شيئا ينفعني الله به قال : اقرأ آية الكرسي ، فإنه يحفظك وذريتك ، ويحفظ دارك حتى الدويرات حول دارك .

وأخرج الدينوري في المجالسة ، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن جبريل أتاني فقال : إن عفريتا من الجن يكيدك ، فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي .

وفي الفردوس من حديث أبي قتادة : من قرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله .

وأخرج الدارمي ، عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال : من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه ، لم ينس القرآن : أربع من أولها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث من آخرها .

وأخرج الديلمي من حديث أبي هريرة مرفوعا : آيتان هما قرآن ، وهما يشفيان ، وهما مما يحبهما الله ، الآيتان من آخر سورة البقرة .

وأخرج الطبراني عن معاذ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك من الدين مثل صبر أداه الله عنك : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء إلى قوله : بغير حساب [ آل عمران : 26 - 27 ] . رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ، تعطي من [ ص: 395 ] تشاء منهما ، وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك .

وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس : إذا استصعبت دابة أحدكم أو كان شموسا ، فليقرأ هذه الآية في أذنيها : أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون [ آل عمران : 83 ] .

وأخرج البيهقي في الشعب بسند فيه من لا يعرف ، عن علي موقوفا : سورة الأنعام ما قرئت على عليل إلا شفاه الله .

وأخرج ابن السني عن فاطمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فيقرأ عندها آية الكرسي ، و إن ربكم الله [ الأعراف : 5 ] . الآية ويعوذاها بالمعوذتين .

وأخرج ابن السني أيضا من حديث الحسين بن علي : أمان لأمتي من الغرق ، إذا ركبوا أن يقرءوا : بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم [ هود : 41 ] . وما قدروا الله حق قدره الآية .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ليث قال : بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر ، يقرأن على إناء فيه ماء ، ثم يصب على رأس المسحور : الآية التي في سورة يونس : فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إلى قوله : المجرمون [ يونس : 81 - 82 ] . وقوله فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون [ الأعراف : 18 ] . إلى آخر أربع آيات . وقوله إنما صنعوا كيد ساحر [ طه : 69 ] . الآية .

[ ص: 396 ] وأخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة : ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل فقال : يا محمد ، قل : توكلت على الحي الذي لا يموت . وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا [ الإسراء : 111 ] .

وأخرج الصابوني في المائتين من حديث ابن عباس مرفوعا : هذه الآية أمان من السرق قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [ الإسراء : 110 ] . إلى آخر السورة .

وأخرج البيهقي في الدعوات من حديث أنس : ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال ولا ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت .

أخرج الدارمي وغيره من طريق عبدة بن أبي لبابة ، عن زر بن حبيش ، قال : من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد أن يقومها من الليل قامها .

قال عبدة : فجربناه فوجدناه كذلك .

وأخرج الترمذي والحاكم ، من حديث سعد بن أبي وقاص : دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [ الأنبياء : 87 ] . لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له .

[ ص: 397 ] وعند ابن السني : إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج عنه ، كلمة أخي يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [ الأنبياء : 87 ] .

وأخرج البيهقي وابن السني وأبو عبيد ، عن ابن مسعود : أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قرأت في أذنه ؟ قال أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا [ المؤمنون : 115 ] . إلى آخر السورة ، فقال : لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال .

وأخرج الديلمي وأبو الشيخ بن حبان في فضائله ، من حديث أبي ذر : ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون الله عليه .

وأخرج المحاملي في أماليه ، من حديث عبد الله بن الزبير : من جعل يس أمام حاجة قضيت له . وله شاهد مرسل عند الدارمي .

[ ص: 398 ] وفي المستدرك عن أبي جعفر محمد بن علي قال : من وجد في قلبه قسوة فليكتب يس في جامع بماء ورد وزعفران ثم يشربه .

وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير : أنه قرأ على رجل مجنون سورة يس فبرأ .

وأخرج أيضا عن يحيى بن أبي كثير ، قال : من قرأ يس إذا أصبح لم يزل في فرح حتى يمسي ، ومن قرأها إذا أمسى لم يزل في فرح حتى يصبح . أخبرنا من جرب ذلك .

وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة : من قرأ الدخان كلها ، وأول غافر إلى إليه المصير [ غافر : 3 ] . وآية الكرسي حين يمسي ، حفظ بها حتى يصبح ، ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتى يمسي رواه الدارمي بلفظ لم ير شيئا يكرهه .

وأخرج البيهقي والحارث بن أبي أسامة ، وأبو عبيد ، عن ابن مسعود مرفوعا : من قرأ كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا .

وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفا : في المرأة يعسر عليها ولادها قال : يكتب في قرطاس ثم تسقى : باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم ، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ النازعات : 46 ] . [ ص: 399 ] كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون [ الأحقاف : 35 ] .

وأخرج أبو داود ، عن ابن عباس ، قال : إذا وجدت في نفسك شيئا - يعني الوسوسة - فقل : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [ الحديد : 3 ] .

وأخرج الطبراني عن علي قال : لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب ، فدعا بماء وملح ، وجعل يمسح عليها . ويقرأ : قل ياأيها الكافرون و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس .

وأخرج أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم ، عن ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الرقى إلا بالمعوذات .

وأخرج الترمذي والنسائي ، عن أبي سعيد : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان ، وعين الإنسان ، حتى نزلت المعوذات فأخذ بها وترك ما سواها .

فهذا ما وقفت عليه في الخواص من الأحاديث التي لم تصل إلى حد الوضع ، ومن الموقوفات على الصحابة والتابعين .

وأما ما لم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيرا جدا ، الله أعلم بصحته .

ومن لطيف ما حكاه ابن الجوزي ، عن ابن ناصر ، عن شيوخه ، عن ميمونة بنت شاقول البغدادية ، قالت : آذانا جار لنا ، فصليت ركعتين ، وقرأت من فاتحة كل سورة آية [ ص: 400 ] حتى ختمت القرآن ، وقلت : اللهم اكفنا أمره ، ثم نمت وفتحت عيني وإذا به قد نزل وقت السحر فزلت قدمه فسقط ومات .

التالي السابق


الخدمات العلمية