الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : محبة تبعث على إيثار الحق على غيره ، وتلهج اللسان بذكره . وتعلق القلب بشهوده . وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات ، والنظر إلى الآيات ، والارتياض بالمقامات .

هذه الدرجة أعلى مما قبلها ، باعتبار سببها وغايتها . فإن سبب الأولى : مطالعة الإحسان والمنة . وسبب هذه : مطالعة الصفات . وشهود معاني آياته المسموعة ، والنظر إلى آياته المشهودة . وحصول الملكة في مقامات السلوك ، وهو الارتياض بالمقامات . ولذلك كانت غايتها أعلى من غاية ما قبلها .

فقوله " تبعث على إيثار الحق على غيره " أي لكمالها وقوتها فإنها تقتضي من المحب أن يترك لأجل الحق ما سواه ، فيؤثره على غيره . ولا يؤثر غيره عليه . ويجعل اللسان لهجا بذكره . فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره .

" وتعلق القلب بشهوده " لفرط استيلائه على القلب . وتعلقه به ، حتى كأنه لا يشاهد غيره .

وقوله " وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات " يعني : إثباتها أولا . ومعرفتها ثانيا . ونفي التحريف والتعطيل عن نصوصها ثالثا ، ونفي التمثيل والتكييف عن معانيها رابعا . فلا يصح له مطالعة الصفات الباعثة على المحبة الصحيحة إلا بهذه الأمور الأربعة . وكلما أكثر قلبه من مطالعتها ، ومعرفة معانيها : ازدادت محبته للموصوف بها . ولذلك كانت الجهمية - قطاع طريق المحبة - بين المحبين وبينهم السيف الأحمر .

وقوله " والنظر إلى الآيات " أي نظر الفكر والاعتبار إلى آياته المشهودة .

وفي آياته [ ص: 41 ] المسموعة . وكل منهما داع قوي إلى محبته سبحانه . لأنها أدلة على صفات كماله ، ونعوت جلاله ، وتوحيد ربوبيته وإلهيته ، وعلى حكمته وبره ، وإحسانه ولطفه ، وجوده وكرمه ، وسعة رحمته ، وسبوغ نعمته ، فإدامة النظر فيها داع - لا محالة - إلى محبته .

وكذلك الارتياض بالمقامات . فإن من كانت له رياضة وملكة في مقامات الإسلام والإيمان والإحسان : كانت محبته أقوى . لأن محبة الله له أتم . وإذا أحب الله عبدا أنشأ في قلبه محبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية