الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثالثة : محبة خاطفة . تقطع العبارة . وتدفع الإشارة . ولا تنتهي بالنعوت .

يعني : أنها تخطف قلوب المحبين . لما يبدو لهم من جمال محبوبهم . ويشير الشيخ بذلك إلى الفناء في المحبة والشهود . وإن العبارة تنقطع دون حقيقة تلك المحبة . ولا تبلغها . ولا تصل إليها الإشارة . فإنها فوق العبارة والإشارة .

وحقيقتها عندهم : فناء الحدوث في القدم ، واضمحلال الرسوم في نور الحقيقة التي تظهر لقلوب المحبين . فتملك عليها العبارة والإشارة والصفة . فلا يقدر المحب أن يعبر عما يجده لأن واردها قد خطف فهمه . والعبارة تابعة للفهم . فلا يقدر المحب أن يشير إليه إشارة تامة .

والعبارة عندهم : تحت الإشارة وأبعد منها . ولذلك جعل حظها القطع . وحظ الإشارة الدفع . فإن مقام المحبة يقبل العبارة . وهذه الدرجة الثالثة لا تقبل إشارة ما . ولا تقبل عبارة .

وعندهم : إنما تمتنع العبارة والإشارة في مقام التوحيد ، حيث لا يبقى للمحبة رسم ، ولا اسم ، ولا إشارة ، وهو الغاية عندهم كما سيأتي .

والصواب : أن توحيد المحبة أكمل من هذا التوحيد الذي يشيرون إليه ، وأعلى مقاما ، وأجل مشهدا . وهو مقام الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وخواص المقربين .

وأما توحيد الفناء : فدونه بكثير . وليس ذلك من مقامات الرسل والأنبياء عليهم [ ص: 42 ] الصلاة والسلام . فإن توحيدهم توحيد بقاء ومحبة . لا توحيد فناء وغيبة ، وسكر واصطلام .

ولما كان المحب عند أرباب الفناء . لم يخلص إلى مقام توحيد الفناء بالكلية . بل رسوم المحبة معه بعد ، جعلوا المحبة هي العقبة التي ينحدر منها إلى أودية الفناء . كما تقدم .

والصواب الذي لا ريب فيه ، عند أرباب التحقيق والبصائر : أن لسان المحبة أتم ، ومقامها أكمل ، وحالها أشرف ، وصاحبها من أهل الصحو بعد السكر ، والتمكين بعد التلوين ، والبقاء بعد الفناء . ولسانه نائب عن كل لسان . وبيانه واف بكل ذوق . ومقامه أعلى من كل مقام . فهو أمين على كل من دونه من أرباب المقامات . لأن مقامه أمير على المقامات كلها .


أمين أمين عليه الندى جواد بخيل بأن لا يجودا

.

وأما كون نعوت المحبة لا تتناهى : فلأن لها في كل مقام نسبة وتعلقا به . وهي روح كل مقام ، والحاملة له . وأقدام السالكين إنما تتحرك بها . فلها تعلق بكل قدم ، وحال ومقام . فلا تتناهى نعوتها ألبتة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية