الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5675 ) فصل : فأما دخول منزل فيه صورة ، فليس بمحرم ، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي ، بإسقاط حرمته ; لإيجاده المنكر في داره . ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج ، في ظاهر كلام أحمد ; فإنه قال ، في رواية الفضل بن زياد ، إذا رأى صورا على الستر ، لم يكن رآها حين دخل ؟ قال : هو أسهل من أن يكون على الجدار . قيل : فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم ، أيخرج ؟ فقال : لا تضيق علينا ، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم . يعني لا يخرج . وهذا مذهب مالك فإنه كان يكرهها تنزها ، ولا يراها محرمة . وقال أكثر أصحاب الشافعي : إذا كانت الصور على الستور ، أو ما ليس بموطوء ، لم يجز له الدخول ; لأن الملائكة لا تدخله ، ولأنه لو لم يكن محرما ، لما جاز ترك الدعوة الواجبة من أجله .

                                                                                                                                            ولنا ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ، فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام ، فقال : قاتلهم الله ، لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط } . رواه أبو داود . وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتا فيه تماثيل ، وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة : أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ، ليدخلها المسلمون للمبيت بها ، والمارة بدوابهم ، وروى ابن عائذ في " فتوح الشام " ، أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه ، حين قدم [ ص: 217 ] الشام ، طعاما ، فدعوه ، فقال : أين هو ؟ قالوا : في الكنيسة ، فأبى أن يذهب ، وقال لعلي : امض بالناس ، فليتغدوا . فذهب علي رضي الله عنه بالناس ، فدخل الكنيسة ، وتغدى هو والمسلمون ، وجعل علي ينظر إلى الصور ، وقال : ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل ،

                                                                                                                                            وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور ، ولأن دخول الكنائس والبيع غير محرم ، فكذلك المنازل التي فيها الصور ، وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله علينا ، كما لو كان فيه كلب ، ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس ، مع أن الملائكة لا تصحبهم ، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله ، وزجرا له عن فعله ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية